ظللنا نصرخ حتى كاد صوتنا أن يبح أن الذي ينتظر الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد هذه الثورة المباركة سيكون أصعب من الثورة نفسها التي اقتلعت نظاماً فاسداً بكل ما تحمل كلمة الفساد من معنى، وهو فساد أخلاقي بالدرجة الأولى، لأنه كان برعاية نافذي النظام الذين سرقوا الشعب عز النهار ولم ترجف قلوبهم شفقة على الغبش التعابة الذين ظلوا يكابدون حياة صعبة وقاسية من أجل لقمة العيش المغموسة بالشقاء والدموع، وهم يتمرغون في نعيم الدولارات ويتلذذون بشرب دماء أبناء شعبنا العظيم، لذلك فإن الكشف عن جبال الفساد هذه تحتاج لعمل جبار وإصرار أكيد وإرادة حقيقية في أن يعود للشعب السوداني حقه من المنتفعين في النظام، وهم بالعشرات ظلوا يكونون خلايا سرطانية تغذي بعضها البعض، ولعل المجلس العسكري قد انتبه لخطورة كثير من هذه المؤسسات التي تمارس الفساد على عينك يا تاجر، فقام بتجميد حساباتها في انتظار المراجعة التي ستكشف بكل تأكيد عن بلاوي سوداء يشيب لها الولدان، وخلوني أتحدث عن واحدة من مؤسسات النظام الاستثمارية التي كانت تجد الدعم والرعاية من الرئيس السابق شخصياً، وأعني صندوق دعم الطلاب الذي قصد من إنشائه أن يدعم الطلاب من ذوي الدخل المحدود وهم بالآلاف، الذين يتحملون وزر فشل الحكومة التي صنعت منهم فقراء بالجملة!!
ومناسبة الحديث عن هذا الصندوق السحري أنني قبل أيام لفت نظري بوست على إحدى قروبات الفيس، تشكو فيه طالبة من ساكنات إحدى الداخليات التابعة للصندوق، تشكو لطوب الأرض الطريقة البربرية التي يتعامل بها الصندوق مع طالبات إحدى الداخليات التي اعتقد أنها أنشئت لتصبح ملاذاً آمناً لبناتنا اللائي أجبرتهن الظروف أن يدرسن بعيداً عن أسرهن، وبالفعل قمت بالتواصل مع صاحبة البوست التي حدثتني بحزن وألم عن كيف أن الإقامة في الداخلية التي هي عبارة عن أنك (تخت رأسك في سرير وبس)، حيث لا خدمات طعام، ولا خدمات ترحيل، ولا خدمات صحية، وكمان تدفع فاتورة الكهرباء التي وصلت قيمتها إلى ثلاثة آلاف جنيه، تخيلوا معي كم عدد الطالبات في هذه الداخلية، وكم عدد كل الطلاب في داخليات هذا الصندوق الأخطبوطي، وبالتالي محصلة المبالغ في العام قدر شنو؟؟.. بتمشي القروش وين ولمصلحة منو وبتندرج في ياتو حساب، لكن الأدهى والأمر أن الصندوق قبل أيام قام بطرد بعض البنات في الشارع بسبب الإخلاء لعدم الإيفاء بدفع الإيجار، بالله عليكم ياتو أخلاق وياتو دين يبيح مثل هذا الفعل اللئيم القبيح، وعدم الإنسانية جعل مشرفات الداخلية يرفضن لطالبة مريضة بعيدة عن أهلها، أن تبيت ليلة واحدة في الداخلية بسبب مرضها ما لم تدفع خمسين دولاراً، بالله عليكم أي دولة غاب نعيشها وهذه الداخليات بناها الصندوق من دم المواطن السوداني عشان راحة وأمان أولادو مش عشان يذلهم ويتاجر فيهم ويمرمط بيهم الواطة، وهذه التجربة، أقصد تجربة الداخليات مطبقة في مصر القريبة دي للطلاب القادمين من الأرياف، والإقامة لا تكلف الطالب سوى بضع جنيهات يتمتع فيها بالوجبة والترحيل والمناشط من رياضة، لكن نعمل شنو مع دولة القطط السمان التي استثمرت في أي شيء وكل شيء ولم تستثنِ حتى الصحة والتعليم، ولو لا لم تقم هذه الثورة، فربما استثمروا في الهواء الذي نتنفسه.
الدايرة أقوله إن المجلس العسكري مطالب اليوم قبل بكرة بتجميد حسابات هذا الصندوق وأشباهه من الصناديق التي التفت على أسباب قيامها وأصبحت فوق القانون ومرهونة بالكامل لأشخاص اغتنوا منها وشبعوا حد التخمة، وجاك الموت يا تارك الصلاة!!
}كلمة عزيزة
واحدة من أسباب تدهور الاقتصاد السوداني بلا شك كانت حالة الفوضى والفساد الذي كان العنوان الأبرز للعمل المصرفي في السودان.
غداً نكتب عن كيف أن مصارف كبيرة مرهونة بالكامل لأشخاص بعينهم يلعبون دور الآمر والناهي فيها، وروتانا سينما مش ح تقدر عينيك.
}كلمة أعز
اللهم أحمِ بلادنا من الفتن وأجمع أهلها على كلمة سواء.