القضية الملتهبة الآن في الساحة السودانية تتمثل في الهجوم الكاسح والكثيف والمبرمج الذي جاء على شكل عاصفة عاتية كسرت السياج والأسوار في وجه المؤتمر الوطني، من الدكتور “أحمد بلال” الأمين العام المكلف للاتحادي الديمقراطي، فالواضح أن طلقات “بلال” الكثيرة المصوبة نحو الوطني لا تحمل أجندة مؤقتة ولا استدارة محدودة التأثير، فقد خلع “بلال” قميص الشريك الحليف للوطني وارتدى لباس المنازلة الشرسة على حليف الأمس، والتي أظهرت شخصية “بلال” الخفية!! البعض يرى أن منازلة الدكتور “بلال” ضد الوطني ترجع إلى خروجه من حكومة الكفاءات الحالية، في حين يوجد من يؤكد بأن الرجل استثمر خروجه من دفة الحُكم الآن لدفع الحسابات المؤجلة على تجربة الشراكة مع الوطني إلى السطح.. الشاهد أن “بلال” بعد انفكاكه من قيود جدول الموقع الدستوري قد انتابه إحساس قوي بضرورة إطلاق الهواء الساخن في دواخله ورسم الملاحظات والمواقف والدراسات في قطار الشراكة الطويل على معمل التقييم الدقيق والمراجعة العميقة مع الشريك الأكبر.. كيف لا يفعل ذلك؟ والدكتور “بلال” يشاهد المؤتمر الوطني قد تحول إلى سلسلة تتفكك ولهيب ينطفئ وأنياب تتكسر، وأن “البشير” يلملم أوراقه من الحزب وأن الكبار المخضرمين أمثال “نافع” و”علي عثمان” في حالة إحباط مكتوم، وأن صديقه الدكتور “فيصل حسن إبراهيم” قد جرفته الرياح الحالية.. من الغصة في حلق “بلال” وحزبه ومن الحسابات المؤجلة ومن التقاطعات اللا مرئية التي اعترت الشراكة بين الوطني والاتحادي الديمقراطي، خرجت من كنانة “أحمد بلال” ثلاثة سيناريوهات من وراء هجومه العاصف والشامل على الوطني، والذي ظهر على شكل جبل الجليد، في حين يكمن بيت القصيد في عمق الجليد.
الشاهد أن في السيناريو الأول يرمي الدكتور “بلال” إلى قطع الوصال بشكل نهائي بين الرئيس “البشير” والمؤتمر الوطني، في ظل التخوف بأن يكون الموقف الحالي بين الطرفين مجرد سيرك مؤقت ثم تعود المياه إلى مجاريها بينهما، حيث راهن “بلال” على خلق علاقة إستراتيجية مع الرئيس من خلال التفاؤل بزوال الغيوم الداكنة في مشواره الرئاسي، وقد ظهرت إشارته الواضحة وهو يقول نحن مع “البشير” قاتلين ومقتولين.. وأن شراكتنا معه وليست مع الوطني، ويرى “بلال” بأن إبعاد “البشير” عن الوطني قد يحدث بالاصطفاف حوله من جميع القوى السياسية وتعرية ماكينة حزبه القديم في إطار الهجوم المعطون بالحسابات المنطقية والممارسات الواقعية وإظهاره كحزب يفتقر للوفاء وينقض العهود ارتكازاً على ما فعله بالاتحادي الديمقراطي الذي جاء بمبادرة الافتتاح التي أزاحت العزلة عن الوطني في الفترة الحرجة! وأما في السيناريو الثاني ربما يحاول “بلال” في أوج ارتفاع دخان معركته مع الوطني إلى جر حزبه باتخاذ قرارات تصم الأذان من المشاركة الحالية، فالرجل يرى بأن حكومة الكفاءات التي تشكلت الآن تواجه انتقادات لاذعة من جميع الاتجاهات في المشهد السياسي، وأن الكثيرين يرون بأنها جاءت كسيحة لا تحمل الاسم الذي أطلق عليها، وأن عجلات قطارها قد تخرج من القضيب، وقد يفكر الرجل في الإمساك بأهداب مخرجات الورشة الاقتصادية والمبادرة الوطنية لحزبه، كيما تصبح ركيزة لخلق مواقف غليظة من جماعته في وجه الحكومة الحالية، حيث جاء هذا الحراك القوي والتاريخي من حزبه بمبادرة من بعض رموزه، وهم “السماني، محمد الدقير، وحسن هلال، وعابدين شريف، ومنى فاروق” حتى تبناها “بلال” وأما في السيناريو الثالث يريد الدكتور “بلال” الظهور في الساحة بوجه جديد (New Lock) وفي مخيلته استثمار موقفه الهجومي الكبير ضد الوطني والذي بدل الأوضاع في النظرة إليه بشخصية مغايرة، وفي هذا السيناريو الأخير يجمع “بلال” أشياء كثيرة في سلة واحدة على رأسها التحديق في المرحلة السياسية القادمة بطموحات من يسابق العتبة العمرية علاوة على الاهتمام بمشروع الوحدة الاتحادية ومآلات المؤتمر العام للحزب بحسابات دقيقة قبيل أن تتأرجح البوصلة.