دعوات الحكومة للحوار الوطني والدستور: قوى المعارضة .. لن نقبل عزومة المراكبية .. !!
يبدو أن شقة الخلاف لا تزال سحيقة بين الحكومة وقوى المعارضة والمتمردين بشأن الحوار الوطني، لا سيما الحوار حول المشاركة في السلطة ومشروع إعداد الدستور الدائم للوصول إلى نقاط تلاقي حول مستقبل البلاد، وما فتئت الحكومة وما انفكت تطلق الدعوة تلو الأخرى للحوار الوطني كانت آخر الدعوات الدعوة التي أطلقها الرئيس عمر البشير أخيراً في الدمازين حاضرة ولاية النيل الأزرق للمعارضة والمتمردين أن تعالوا إلى كلمة سواء وانبذوا الفرقة والشتات للمشاركة في الدستور، ذات الدعوة نادى بها نائب الرئيس علي عثمان محمد طه في حوار تلفزيوني أمس الأول، شدد فيه على أنّه لن يكون هناك حجر على رأي أحد أو استثناء أي جهة من المشاركة في الحوار والدستور حتى ولو نادى بدستور علماني، ويعتبر طه أن مسألة كفالة الحريات قناعة وليست مزايدة مشيراً إلى رهنها بالمسؤولية،دعوات سارعت قوى المعارضة إلى التشكيك في نواياها ومصداقيتها ومقابلتها بالرفض القاطع وأنها لا تحمل في طياتها جديداً وأنّها حديث معمم ودعوات مبهمة ومجرد (عزومة مراكبية).
وبدأت دعوة الحكومة والمؤتمر الوطني الحاكم للحوار الوطني على لسان الرجل الثاني في الحكومة مختلفة عن سابقاتها من الدعوات، وكشف نائب الرئيس عن إجراءات وترتيبات ستتخذ خلال الأيام المقبلة لتهيئة المناخ ليكون أكثر (مواتاة) ويرى طه أن الدعوة التي أطلقها الرئيس عمر البشير في الدمازين للمعارضة والمتمردين جاءت تأكيداً لرغبة الحكومة في أن يكون مشروع الدستور لتمكين الوحدة الوطنية وتحقيق توافق واسع على ثوابت وطنية قائلاً (لأننا نريد أن تستقر تجربتنا الديمقراطية) ودعا النائب الأول المعارضة والمتمردين لأن يأخذوا الدعوة مأخذ الجد للارتقاء بالمشاركة السياسية وصناعة المستقبل، وينفي النائب الأول الإدعاء بوجود مشروع دستور (جاهز) يريد المؤتمر الوطني تمريره على القوى السياسية ويشدد على أنه ليس من حق أحد أن يفرض رؤيته وأن يجعلها شرطاً ويعتبر طه أن مسالة كفالة الحريات قناعة وليست مزايدة مشيرًا إلى رهنها بالمسؤولية.
لكن يبدو أن موقف قوى الإجماع الوطني بشأن التحاور مع الحكومة ثابت لم يتزحزح قيد أنملة وهو موقف الرفض القاطع للحوار مع المؤتمر الوطني لجهة عدم الثقة في نوايا طرح الحكومة، وهذا ما قاله رئيس تحالف قوى المعارضة فاروق أبو عيسى في حديث لـ(المجهر)، حيث يقول نحن لن نقبل بدعوة الحكومة للحوار في كافة القضايا على رأسها الحوار حول الدستور الدائم، ويقول كيف نشارك في دستور سيشرف على وضعه المؤتمر الوطني بكامل أجهزته التنفيذية والتشريعية بما في ذلك الإشراف على الانتخابات ولجانها قائلاً (نحن لسنا عورا حتى نشارك في دستور ونكون فيه زخرفاً وديكوراً فقط).
ويتمسك زعيم تحالف قوى الإجماع الوطني بشروط المعارضة المسبقة كشرط للحوار مع الحزب الحاكم المتمثلة في موافقة الحكومة على تشكيل حكومة انتقالية يشترك فيها الجميع بما فيهم المؤتمر الوطني والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنساء والطلاب ورجالات الطرق الصوفية والدين وكل طوائف المجتمع لتشرف على صياغة وإعداد الدستور الدائم للبلاد عبر مؤتمر دستوري يخرج البلاد من أزماتها المتلاحقة.
ويتساءل أبوعيسى كيف للمعارضة أن تشارك في الحوار وهي لا تستطيع التحدث وأفواهها مقيدة وأن النظام ما يزال يمارس سلطات الاعتقال ومنع الرأي المخالف وتقييد حرية الصحافة والتضييق على الحريات العامة، ويعتبر القيادي المعارض أن حديث ودعوات الرئيس عمر البشير ونائبه الأول علي عثمان محمد طه حديثاً ليس فيه جديد وكلام معمم باعتبار أن السلطة تحت أياديهم ولا ينفذون ما يقولون وأن المؤتمر الوطني يريد من المعارضة أن تكون مجرد (ديكور وزخرفة) فقط للمشاركة في إعداد دستور البلاد ومستقبلها وأن دعوة الحزب الحاكم مجرد (عزومة مراكبية لا نقبل أن نكون جزءًا منها) ويضيف الرجل أن الدعوة لا طعم ولا رائحة لها وإنما نريد دعوة معززة بإجراءات فعلية حقيقية، ويلوح بأن المعارضة تمضي في مشروعها الخاص بمرحلة ما بعد سقوط نظام البشير وهي تقترب من التوقيع على مشروع الإعلان الدستوري وأن المعارضة ستحسم التوقيع على الإعلان الدستوري خلال (48) ساعة لتنتقل إلى مرحلة أخرى لم تفصح عنها.
ولم يختلف حزب الأمة القومي في موقفه من الحوار الوطني والحوار حول الدستور عن موقف قوى المعارضة، فقد رفض هو الآخر دعوة الرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان ودعوات حزب المؤتمر الوطني، ويبرر الحزب في تعميم صحفي عدم مشاركته في الحوار حول الدستور لقناعته بأن البلاد تستعر فيها الحروب في أكثر من ثلث أراضيها، وبالتالي غير مهيئة للحوار حول الحقوق والواجبات، قبل أن تؤمن الحكومة لجميع أهل السودان حق الحياة قبل الحوار حول الحقوق والواجبات الأخرى.
ويرى مسؤول العلاقات الخارجية والناطق باسم الأمانة العامة لحزب الأمة القومي السفير نجيب الخير عبد الوهاب، أن أي حوار حول الدستور في غياب ترتيبات انتقالية تؤمن شمولية الدستور ومشاركة الجميع في وضعه تعتبر جهداً عبثياً لا جدوى منه.
ويذهب القيادي في المؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام، في تصريح لـ(المجهر) إلى أن موقف حزبه من الحوار مع الحكومة وكذلك موقف تحالف المعارضة ثابت ولم يتغير وهو الموقف الرافض للحوار لكن يمكن أن يتغير ذلك الموقف حال استجابت الحكومة وقبلت بالوضع الانتقالي الكامل، ويقول إن دعوات الحكومة سوى من الرئيس عمر البشير أو نائبه الأول علي عثمان طه، هي مجرد تبادل للأدوار والسيناريوهات وهي ليست دعوة جديدة ولا تحمل جديدًا على حد تعبير الرجل وهي مجرد (تفسير الماء بالماء) ويضيف أن الدعوة للحوار في الوقت الراهن لم تخرج من كونها تكتيكاً من قبل الحزب الحاكم مع المعارضة وأن إشراك القوى السياسية مجرد إشراك شكلي وإجرائي فقط بعد أن (طبخ المؤتمر الوطني الكومبارس والدستور).
ويؤكد عمر عبد السلام، أن كافة قوى المعارضة مجمعة على موقفها الرافض التحاور مع الحزب الحاكم باعتبار أن الحروب تستعر في كل مكان وأن أهالي تلك المناطق التي تشتعل فيها الحرب سيكونون بعيدين عن المشاركة في صياغة مستقبل السودان، فضلاً عن انعدام الحريات وغياب واختطاف مؤسسات الدولة مبيناً أن كل تلك المبررات تعد أسباباً كافية لرفض الحوار مع الحزب الحاكم، ويضيف أن حزبه يرفض رفضاً تاماً الحوار الوطني والحوار حول الدستور وأن بضاعة الحزب الحاكم ردت إليهم حتى نعطي المؤتمر الوطني شرعية في الزمن الخطأ مبيناً أن قوى المعارضة تمضي في خطواتها بشكل ثابت من حيث إدارة الحوار مع مختلف فصائل المعارضة والجبهة الثورية وأنها قطعت أشواطاً بعيدة في هذا الاتجاه وأن الخطوة المقبلة هي التوقيع النهائي على وثيقة الإعلان الدستوري الذي سيسري فور التوقيع عليه ليمهد لفترة ما بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني.