(المجهر) في حوار مع وزير التعليم العالي رئيس حزب الأمة الدكتور “الصادق الهادي” حول الأحداث
استبعد الصراع الداخلي للأحداث ولكنها نتيجة لخلل إداري واضح
الحكومة سعت لحل مشكلة الخبز والوقود ولكن الحل لن يكون سريعاً
بدأنا الفتح التدريجي للجامعات وسننظر في فتح الدراسة بالسنوات النهائية بالكليات قريباً
ما حدث يستوجب مراجعة تامة وحل جذري للمشكلة حتى لا يتكرر في المستقبل
حذرت من التفاؤل الشديد بعد رفع أمريكا للحصار الاقتصادي بالبلاد
حوار – صلاح حبيب
ألقت التظاهرات التي حدثت في التاسع عشر من ديسمبر الماضي بظلالها على كل الدراسة بالجامعات السودانية مما أدى إلى تخوف الأسر من ضياع مستقبل أبنائهم ولكي نقف على تلك الأحداث وطبيعتها ومسبباتها كان لابد أن نجري هذا الحوار مع وزير التعليم العالي رئيس حزب الأمة الدكتور “الصادق الهادي المهدي” لمعرفة الأسباب التي أدت إلى انفجار الوضع وما هو مصير الجامعات ومتى سيتم فتحها فنترك القارئ يطلع على الإفادات التي يتفضل بها الدكتور “الصادق” بها من خلال هذا الحوار..
*ما هو تقييمك للأحداث التي جرت الفترة الماضية؟
أنا أنظر إلى الموضوع نظرة مختلفة خاصة الشباب المحرك الرئيسي أو الدينمو لهذه الأحداث فهناك مشكلة أصلاً موجودة من قبل وتتمثل في انسداد الأفق للخريجين وانعدام الرؤية المستقبلية لهم باعتبار أن فرص العمل ضيقة بالنسبة لهم على مستوى القطاع العام أو الخاص، خاصة وأن أعداد الخريجين في ازدياد مستمر وهذا واقع معاش بالنسبة لهم وعامل نوع من الإحباط، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية العامة التي تعاني منها البلاد، ومع هذه المشكلة المزمنة جاءت المشكلة الاقتصادية الحادة الممثلة في ندرة الخبز والوقود والنقود، فكلها فجرت الأوضاع وهذه احتياجات طبيعية خاصة حينما حدث في عطبرة فكانت تلقائية جدا فكان هناك انعدام تام للخبز بالمدينة، وانتقلت بعد ذلك العدوى إلى بقية الولايات.
*هل تعتقد أن الحكومة كانت بطيئة في المعالجة؟
الحكومة سعت لمعالجة المشاكل والآن المساعي نجحت لحد كبير في احتواء مشكلة الخبز وكذلك الوقود والنقود والسيولة في اتجاهها للحل ولكن في ظني أن تلك المشاكل ليس من الممكن حلها بسرعة حتى لو بدأت إجراءات بتأخذ وقتا لوضع حلول على أرض الواقع.
*إذاً لماذا حدثت تلك المشكلة؟
ما حدث يستوجب مراجعة تامة ومعالجة جذرية حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث وهذا التحدي الماثل أمامنا.
*نلاحظ طوال التسعة وعشرين عاما الماضية لم تكن هناك مشكلة بهذه الصورة وكأنما هناك بركان خامد وانفجر الآن إلى أي مدى صحة ذلك؟
في تقديري هذه مشاكل إدارية قد تكون هناك نسبة لانعدام النقد الأجنبي، لكن السودان أصلا لم يكن النقد الأجنبي متوفرا بالنسبة له للدرجة التي ترضي بنك السودان أو وزارة المالية، وعلى الرغم من ذلك كانت هناك معالجات ولكن افتكر الإخفاق بالدرجة الأولى إخفاق إداري.
*هل يمكن أن يكون صراعاً داخلياً؟
أنا استبعد ذلك وافتكر خلل إداري نابع من ضعف.
*ولكن أحيانا وفي قمة الأزمة تجد الحل قد توفر بسرعة خاصة في الخبز والوقود؟
هذه تعتبر معالجات إسعافية والدولة تملك المعالجات الإسعافية السريعة، ولكن نبحث عن المعالجات الجذرية، ونقول لماذا حدثت هذه الإخفاقات الإدارية، ولكن لابد من معالجة الخلل الإداري فمثلا مشكلة الوقود هي خلل إداري وهناك جوانب مرئية مثل التهريب وكأنما مسألة التهريب شماعة، ولكن ماذا فعلنا لمسألة التهريب رغم أن التهريب الكل يعلمه ويراه، وكذلك مشكلة الاحتياطي من الوقود والقمح فكلنا يعلمها، فلماذا لم نضع معالجات لمخزون إستراتيجي وهناك مشاريع تنشأ ولكن يبرز السؤال حول أولويات تلك المشاريع التنموية فلابد من مستوعات للقمح والوقود تكفي البلاد لفترة من الوقت.
*بعد رفع الدعم الاقتصادي كان يتوقع أن تحل المشكلة ولكنها تفاقمت؟
لقد حذرت من التفاؤل المطلق بعد رفع الحصار الأمريكي الاقتصادي على السودان وذكرت ذلك أكثر من مرة، وقلت يجب ألا يتفاءل الناس أكثر من اللازم، ولكن الإعلام روج لرفع الحصار الاقتصادي وكأنما مشكلة السودان قد حلت، واعتقد أن رفع الحصار عن السودان بمثابة وضع القطار في مساره الصحيح، ولكن ليس هو الحل الكامل لمشاكل السودان.
*وأين تكمن مشاكل السودان؟
مشاكل السودان في الإنتاج وتوفير كل المعينات التي تساعده ولابد من توفير الوقود والجازولين من المستودعات يُعد هذا من المشاريع التي تساهم في زيادة الإنتاج والإنتاجية ونحن نقول إن رفع الحصار من المعينات لنهضة اقتصادية كاملة في السودان ولكن في حد ذاته الحل أي نعم إذا رفع الحصار ولو جزئي لا يعني توفير الخبز والدقيق ولكن فتحت لك الأبواب لزيادة الإنتاج والإنتاجية، لذا التفاؤل المفروض جعل الناس تتكئ على القرار باعتباره هو الحل ولكنه لم يكن الحل وإنما معينات.
*حكومة الوفاق الوطني ألا تعتقد أن دورها كان سلبيا في إيجاد حل للمشكلة خاصة وأن عدداً من المشاركين قفزوا من السفينة وكأنما يعتقدون أنها في طريقها إلى الغرق؟
في تقديري الحلول السياسية كانت متوفرة في الحوار الوطني ومخرجاته أكثر من 994 توصية تناولت كافة القضايا وكانت مهمة الحكومة إنقاذ هذه التوصيات وهذه القرارات الملزمة لنا وأصبحت برنامجا واضحا، واعتقد على المستوى السياسي لنا كأحزاب وكحكومة وفاق وطني نسبة الأداء في تنفيذ هذه المخرجات والقرارات كانت نسب ضعيفة رغم أن التقارير الرسمية تشير إلى نسب عالية لكن في تقديري ومن خلال المراجعات وصلت إلى أن التنفيذ لم يكن بالنسبة المرضية، لذلك أنا ومن خلال وجودنا في الحكومة ومن خلال اجتماعاتنا كحزب سياسي مشارك وخطاباتنا للسيد رئيس الجمهورية، والبيانات التي أصدرناها إلى الشعب السوداني طالبنا فيها دعوة الجمعية العمومية للحوار الوطني للانعقاد من جديد لمناقشة نسبة تنفيذ التوصيات ومراجعتها وما تبقى منها من قرارات ينبغي علينا إعادة ترتيبها لأن الوقت أصبح ضيقا ومحتاجين أن نرتب الأولويات للمخرجات وما لم يتم تنفيذه الأولى ثم الأولى حسب حاجة البلاد حتى نسعف الحوار الوطني ونكمل مخرجاته بالصورة المثلى، واعتقد أن الحوار الوطني أهمل الشباب نعم كان هناك حوار مجتمعي، ولكن لم يشمل الشباب بمختلف مكوناتهم ومؤسساتهم الموجودة حتى كرموز شبابية غير موجودة لا في الحوار المجتمعي ولا في الحوار العام، لذلك لابد من إطلاق منصة من خلال الجمعية العمومية لاستصحاب كل من لم يشارك في الحوار الوطني من جديد خاصة الشباب فما يحدث الآن مع الشباب هو صراع أجيال وهذا جيل مختلف عننا بآرائه ويجب أن نحترم آراءهم فكنا ننظر إلى المظهر الخارجي ممثلا في اللبس وطريقة حلاقتهم، فلم ننظر إلى جوهرهم، وهذه حقيقة لابد أن نعترف بها، فإن لم نعترف بها فلن نستطيع التفاهم معهم، ولكن وضح أنه جيل عميق في فهمه ويجب أن يتعاونوا معه فهو يملك من الوسائل الحديثة تمكنه من معرفة كل ما يدور في العالم بلمسة يد، فهذا جانب، أما الجانب الآخر في العمل التنفيذي وبحكم أننا كأحزاب مشاركة في هذه الحكومة جاءت باستحقاق انتخابي 2015 وجاءت نتيجة لمخرجات الحوار الوطني وفي حكومة الوفاق الوطني في نموذجها الثاني، ومن خلال وجودنا في هذه الوزارات أن نبتكر وسائل أخرى.
*وأنتم في وزارة التعليم العالي ماهي الابتكارات التي قمتم بها؟
لقد قمنا بمنتديات اقتصادية شارك فيها عدد من العلماء والباحثين والخبراء والمختصين استمرت لعدد من الأيام سبعة منتديات مضت لمدة شهرين ناقشوا قضايا جوهرية، السياسات المالية والنقدية والأسعار والأجور والإنتاج بعد النمو الاقتصادي وناقش منتدى آخر ميزان المدفوعات وآخر ناقش التشغيل وسوق العمل وناقش منتدى آخر الهجرة والحراك السكاني وآخر الثقة بين الموردين والمستهلكين والمستوردين، وهذه المنتديات عصارة فكر واجنهاد وزراء اقتصاديين وشارك في الجلسة الأولى رئيس الوزراء وفي المنتديات الأخرى كانت معظم الوزارات كانت ممثلة على مستوى الوزير أو الوكيل أو القيادات العليا، وخرجت بتوصيات ستعرض في جلسة مجلس الوزراء القادم، ونحن من خلال وجودنا في الحكومة أو في الجهاز التنفيذي سعينا في تجسير العلاقة بين الأكاديميين في الجامعات ومتخذي القرار في الجهاز التنفيذي، ففي الماضي كان ينظر إلى الشخص بأنه أكاديمي، ولكن الآن الأكاديمي أصبح له دور يبدي رأيه من خلاله للجهاز التنفيذي، فاستطعنا تحريك الوزارة في هذا الاتجاه وفي الأسابيع الماضية أقمنا منتدى لتقييم الوضع السياسي الراهن قدمت من خلاله ست أوراق على مدى يومين خرج بعدد من التوصيات.
*ماهي أهم تلك التوصيات؟
التزام الديمقراطية وإرساء دعائم الحُكم الراشد وسيادة حُكم القانون واعتماد مخرجات الحوار الوطني أساسا للتفاوض مع المعارضة، خاصة الحركات المسلحة والالتزام بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني بالشفافية وتثقيف الشعب السوداني بها وإنهاء سياسة الإقصاء ووقف العنف بكل أشكاله لمن يبدون آراءهم للدولة، التزام الأجهزة الأمنية بوظائفها المحدد بالقانون، ويخضع التعليم العالي مخرجات الحوار الوطني إلى دراسة متعمقة بواسطة الخبراء، فالوزارة من خلال هذه المنتديات أن تجسر العلاقة وأن تفتح كباري كانت مفقودة في الماضي للمعالجة بالرؤية العلمية.
*أنت كوزير للتعليم العالي ما هو الدور الذي قمت به بعد الأحداث والاعتقالات التي تمت؟
لقد قمنا بخطوة استباقية بعد الأحداث التي وقعت في عطبرة والجامعات التي وقعت فيها الأحداث، فقد قمت بتشكيل لجنة برئاسة السيد الوكيل وعدد من مديري الجامعات الحكومية والخاصة، وهذه اللجنة عملت خطوة استباقية قامت بتعليق الجامعات للدراسة بالخرطوم، خاصة باعتبار الوضع كان مهددا وحفاظا لأرواح الطلاب بالجامعات وسلامتهم وسلامة الممتلكات، علقنا الدراسة بالجامعات الحكومية والخاصة بالخرطوم، وطالبنا الولايات والجهات المختصة أن تنظر في أمر الجامعات الولائية حسب الوضع الأمني في الولاية، وبعد انحسار المظاهرات اجتمعت اللجنة مرة أخرى وقررت الفتح التدريجي للجامعات الخاصة، وبدأت الدراسة لطلاب الدراسات العليا وسيتم فتح الدراسة بالسنوات النهائية للجامعات.