عز الكلام

رحل الطير الخداري

أم وضاح

فقدت بلادنا أمس الأول، واحداً من أهرامات الفن الراقي النبيل، الأستاذ الكبير “علي إبراهيم اللحو”، الذي مثل جيلاً من العظماء والأساطير مِنْ مَنْ جملوا خارطة الغناء السوداني وطرزوها بدرر جعلتها تتوهج جمالاً وروعة وتفرداً وتميزاً، و”علي إبراهيم” من الجيل الذي لم يمتهن الفن كحرفة، لكنه آمن به كرسالة، لذلك صبر على رهق البدايات ومعاناة الإقناع بصوته وموهبته، فحفر اسمه في الصخر وأصبح ملء السمع والبصر، لأنه يستحق أن يكون ملء السمع والبصر.
ومعرفتي بـ”علي إبراهيم اللحو” بدأت مع تسجيلي معه حلقة توثيقية من برنامج “البساط أحمدي” بقناة النيل الأزرق، اقتربت فيها منه طوال أيام إعداد البرنامج وأيام التصوير، اكتشفت فيها رجلاً بقلب طفل يستقبل من حوله بضحكة نابعة من جوه القلب، كريم بطبيعة وخصلة لا يدعيها، كرمه تعدى حدود إكرام الضيف، ومنزله مزار وملتقى للطير، وقد ظل الراحل لسنوات يطعم الطيور صباحاً أمام منزله بشكل مهيب يجعل البدن يقشعر من هذه الرحمة المتدفقة، وقد لاحظت أيضاً أنه يولي نباتات غرسها في حديقة منزله الصغير، تتوسطها أقفاص عصافير ملونة، يوليها اهتماماً واضحاً أنه ليس من باب العشق لهواية، لكنه اهتمام فيه كثير من الأبوة، فسرته أنه ربما يفرغ عاطفة الأب في هذه الكائنات الحية، لأنه لم يكن لديه أبناء!!
أيضاً لم تفتني طوال أيام الإعداد ملاحظة لا تفوت على مثلي، و”علي إبراهيم اللحو” كانت كل كلماته وأحاسيسه وعيونه تفضح حباً كبيراً يحمله لزوجته ورفيقة دربه التي أسأل الله أن يصبرها ويربط على قلبها، وأنا أعلم كيف هو صعب رحيل الحبيب والرفيق والونيس، وشخصية “علي اللحو” كإنسان هي بالتأكيد التي شكلت تجربة “علي إبراهيم اللحو” الفنان الذي نجح وبتفوق في اختيار الجميل من الكلمات، والرائع من الألحان، لتكون عنواناً لمسيرته الفنية، غنى للحماس فأجاد وأبدع، غنى للعواطف والأحاسيس فدغدغ مشاعرنا ولامس فيها وتر الإحساس والجمال حتى أصبح اسمه ماركة مسجلة لا تقبل التقليد ولا الاستنساخ، لأنه حنجرة متفردة واحدة كما كل الأشياء الأسطورية والعبقرية التي من النادر أن تجد منها اثنين.
لذلك فإن فقد الوسط الفني والإبداعي لـ”علي إبراهيم” ليس هو فقد اسم أو ظاهرة أو تجربة، لكنه فقد لقامة وقمة لا تتكرر ولا تعيد نفسها على مر القرون، والعزاء واجب لكل قبيلة الفنانين على هذا الفقد الجلل والمصاب العظيم، ألا رحم الله “اللحو” وجعل مسكنه روضة من رياض الجنة، (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).
} كلمة عزيزة
أمس فقط، بعد سماعي لخبر رحيل الفنان “علي إبراهيم اللحو” زادت قناعتي بالفهم المتقدم للجنرال “حسن فضل المولى” مدير قناة النيل الأزرق، الذي ظل مشجعاً وداعماً ومسانداً لأي عمل يوثق للفنانين الكبار، يبذل كل الممكن ويطوع المستحيل، وحلقة كالتي وثقنا فيها للراحل الكبير، ستظل إرثاً بالصوت والصورة في ذاكرة كل سوداني.
}كلمه أعز
اللهم أحفظ بلادنا من الفتن واجمع أهلها على كلمة سواء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية