أحترم جداً غضبة الشباب وسعيهم المشروع نحو تغيير الواقع بآخر أفضل منه، وأحترمهم أكثر لأنهم تواثقوا فيما بينهم على أن ينتظموا في احتجاجاتهم وتظاهراتهم إصراراً على الموقف والمبدأ، أحترمهم جداً وهم طوال شهرين من عمر الزمان لم يكلوا أو يملوا ولا زالوا يتنادون لرفع شعاراتهم بسلمية هذه الاحتجاجات، لكن السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه في مثل هذه الأحوال: ثم ماذا بعد؟؟.. وأعني ما هي الرؤية المستقبلية للمحتجين الذين يرفضون استمرار الإنقاذ ويرفعون في وجهها شعار تسقط بس، أقول هذا الحديث ودفتر أحوال السياسة لا يعرف الصدف أو النوايا الحسنة، إذ أن أي تغيير جذري لا بد أن يكون محسوباً ومدروساً بمعطياته ودلائله وبراهينه، وبالتالي لا بد من توقع حسابات النتيجة ولو بشكل تقريبي، وهذا بالتأكيد لا ينطبق على ما يحدث الآن في الحالة السودانية أو المشهد السياسي الراهن، إذن إن رفع شعار تسقط بس لا بد أن يكون المقابل له بديلاً جاهزاً يمسك دفة القيادة ويوجه السفينة بعيداً عن الأمواج والأنواء والعواصف، وهذا للأسف غير موجود، بدليل أن الجسم الذي يحاول باستماتة الآن احتواء هذه الاحتجاجات وادعاء الوصاية عليها بما يسمى تجمع المهنيين، وهو جسم هلامي ضبابي غير واضح، فإذا كان الوعاء الذي يحاول احتواء التغيير غير واضح، فمن أين سيستمد وضوح برامجه المستقبلية ورؤيته لحكم البلد؟؟
خلوني أكون أكثر وضوحاً وأطرح السؤال على شبابنا الذين فجروا هذا الغضب، وأنا أثق في وعيهم وقدرتهم على التمييز عن كيف يرون مستقبل هذا الحراك والواجهة التي تدعي قيادته مجهولة النسب، مجهولة الهوية، كيف بالله عليكم يقود المستقبل (المعلوم) كيان (مجهول)، هذا السؤال أرجو أن يوجهه الشباب لبعضهم ويبحثوا له عن إجابة حتى لا يكتشفوا أن كل ما قدموه من تضحيات ومن ضريبة باهظة الثمن استفاد منها آخرون لقوها جاهزة ومقشرة، لذلك أعتقد أن هذه المرحلة المهمة من تاريخ بلادنا والتي كشفت عن معدن الشباب الذي حتى وقت قريب كان مظلوماً تطارده اتهامات الهيافة والغيبونة هي مرحلة غاية في الأهمية والخطورة، تكون كارثة لو أننا لم نستفد منها حتى لا تتكرر الأخطاء التاريخية التي ستجعل ذات الشباب الذي يطالب الآن بالتغيير في موقف مكرر، ويأتي شباب آخرون في يوم من الأيام ويطالبون بتغييرهم، لأننا غيرنا الوجوه والمسميات ولم نغير الساس والإستراتيجيات وأعدنا إنتاج ذات الأزمة بشكل جديد، وبالتالي على الشباب الذي يطالب بالتغيير وهو أمر حتمي ومفروغ منه واعترفت به الحكومة نفسها، عليه أن يكون جاهزاً بخارطة طريق حال ذهب النظام مثلاً إلى حال سبيله، وكم من رفقاء الثورات تحولوا إلى خصوم وأعداء بعد أن غازلتهم السلطة بدلالها، ولنا في التجارب من حولنا ما يجعلنا نعيد البصر كرتين.
الدايرة أقوله إنه لا بد أن نستفيد من هذه التجربة التي مررنا بها، وهي تجربة درسها الأول والمهم موجه للحكومة نفسها التي مؤكد أدركت أنه مهما بلغت بها السلطة أو اشتدت عندها قبضة السلطان، فإن الشعوب لا يستمر نومها ولا يستسهل موتها وإنها لا محالة ستنتفض كطائر الفينيق من تحت الرماد، والدرس ذاته أحسبه كشف للحكومة والحزب الحاكم هشاشة كثير من المؤسسات التابعة لهما والتي كانا يظنان أنها قوية ومسيطرة واتضح أنها وهمية وضعيفة، والأحداث أيضاً كشفت للحكومة والحزب ضحالة تفكير كثير من الذين كانت تدخر سيوفهم وقلوبهم لمثل هذه المواقف، واتضح أن جفيرهم بلا سيف، وصدرهم بلا قلب، فلم يستطيعوا أن يدافعوا عنها فبدوا في مظهر المهزوم المنكسر، والأحداث ذاتها كشفت للشعب السوداني عشرات الانتهازيين الذين شربوا من معين السلطة لمن قالوا كفى، بل هم شركاء حقيقيون فيها، والآن يدعون الانحياز للشارع مفترضين فيه عدم الوعي والمعرفة، والأحداث أكدت أن كل شيء ممكن وجائز طالما توفرت الإرادة وتوحدت الفكرة لأي هدف من الأهداف، لكن يظل رغم ذلك السؤال المهم والجوهري والمفصلي: ثم ماذا بعد؟
}كلمة عزيزة
قال الوزير المستقيل “نهار” إنه قد وجد التهنئة من بعض أعضاء حزب المؤتمر الوطني على انسحابه من الحكومة وهو موقف محير من هؤلاء الذين إن كانوا فعلاً مؤيدين للخطوة ومباركين لها، فلماذا لا يعلنون استقالاتهم من صفوف الحزب وينحازوا إلى صفوف المحتجين في الشارع السوداني، والله يا دكتور “فيصل” ناسكم ديل عايزين “علي بلدو” عديل كده، لأنهم حيرونا.
}كلمة أعز
اللهم أحمِ بلادنا من الفتن واجمع أهلها على كلمة سواء.