حاول المحتجون منذ اندلاع المظاهرات في التاسع عشر من ديسمبر الماضي أن تكون احتجاجاتهم التي يقومون بها سلمية، أو أن يصبغوا عليها صفة السلمية، وبالفعل ظلت سلمية في بعض المناطق، ولكن أهل الغرض والمرض لم يريدونها سلمية، فبدأ التخريب والدمار في منشآت الدولة وفي ممتلكات المواطنين، ولكن التدخلات من القائمين بأمرها حاولوا أن يعيدوها إلى مسارها.. واستحسنا هذا الوعي من قبل المتظاهرين.. والأسلوب الحضاري الذي اتخذوه نهجا لهم فيها، وما شاهدناه في الأيام التي تلت الأيام الأولى من الاحتجاجات لم نشاهده في معظم التظاهرات التي اندلعت بالبلاد التي كانت سمتها الخراب والدمار، ولكن رغم سلمية ما يجري الآن فقد شاهدت عدداً من مقاطع الفيديو توضح عمليات السطو والنهب التي استهدفت عدداً من المحال التجارية بحقد شديد، ولم تكن سرقة عادية بل عملية انتقام وتمزيق للأشياء التي لم يستطيعوا حملها، بل عملوا على تحطيم الواجهات الزجاجية والأرفف داخل تلك المحال، واتضح من خلال تلك الفيديوهات أن الذين ادعوا مشاركتهم في التظاهرات ما هم إلا لصوص ومجرمين محترفي السرقة لا علاقة لهم بتلك التظاهرات، وإلا لماذا حملوا معهم تلك الأدوات الحادة التي تعمل على التكسير والتحطيم، إن الاحتجاجات لو انحرفت من مسارها الذي قامت من أجله وهو توصيل الصوت إلى الجهات المسؤولة وهي قد سمعت واعترفت بذلك، ولكن المشكلة هذا الانحراف والتعدي على حقوق الدولة وحقوق الآخرين، وإذا استمر الحال نكون قد عدنا إلى أيام وفاة الراحل “قرنق” والذي شهدت الخرطوم في ذلك اليوم خرابا ودمارا وتقتيلا لم تشهده ولاية الخرطوم طوال عمرها، لذا فإن انحراف التظاهرات ودخول أفراد هدفهم السرقة كما شهدنا في تلك الفيديوهات يتطلب من الأجهزة الأمنية والشرطية، أن تتعامل معها بكل جدية وحسم، لأن انفلات الأمن سيؤدي إلى ضياع البلاد بأكملها، وهناك جهات من مصلحتها أن تستمر الاحتجاجات لتحقق أهدافها، فالقضية ليست مظاهرات أو احتجاجات يقوم بها المحتجون أو الصبية.. فالقضية أكبر من ذلك، لأن ما يجري هو محاولة لتمزيق الوطن، وإن لم نتعظ بما أصاب دول الربيع العربي فالذي حل بهم سوف يحل بنا، فالفرصة مازالت مواتية أن يجلس العقلاء من الطرفين والعمل على الحل بالطرق السلمية، أما العناد فلن يصل بنا إلى أمن واستقرار هذا الوطن.. وهناك الكثير من الدول الغربية التي مازالت تتربص وما زالت تتحين الفرص للدخول بالأجندات المعروفة، لذا لابد من إحباط تلك المخططات وأن يكون الحل من الداخل دون الاستعانة بأي طرف خارجي، كما يحدث الآن في المنطقتين التي عجزت تلك الدول من الوصول للحل، فأبناء السودان هم يعرفون بعضهم البعض ويعرفون كيف يتوصلون إلى الحلول التي ترضي الكافة، كما حدث في استقلال البلاد، وكيف تصافى الجميع وأعلنوا الاستقلال من داخل البرلمان في لحظة تاريخية، الآن يمكن أن يتصافى الجميع ويمكنهم أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه عند إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، فعلينا أن نبعد ضعاف النفوس من المسرح تماماً وتكون المباراة بين أبناء الوطن الواحد.