هل الاحتجاجات الواضحة التي شملت العديد من المدن والمناطق في البلاد ارتكزت على عنصر المفاجأة والحركة الدراماتيكية أم أنها اندلعت من خلال معطيات كانت محسوبة من جانب حكومة الإنقاذ؟ فالإجابة القاطعة مزيج من الاثنين، فالسلطة الحاكمة وضعت في حساباتها إمكانية قيام تحركات مضادة لها بناءً على إفرازات الأوضاع الاقتصادية الماثلة للعيان، وبذات القدر فقد حدثت هذه التظاهرات الشعبية بغتة من ناحية التوقيت والحالة الظرفية والتي صادفت الأيام الخواتم من عام 2018م، بعد أن راهنت التوقعات أنها لن تحدث! فالشاهد أن الإنقاذ كرست جهداً كبيراً في تطويق هذه الاحتجاجات في ظل الاعتراف الواضح من جانبها بوجود المبررات التي خلقت هذه الأوضاع العارمة، وأمامنا ما قاله الدكتور “عبد الرحمن الخضر” رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني حين ذكر بأن أسباب الاحتجاجات والتظاهرات من صنع أيدينا، فالواضح أن مثل هذه الشهادة من رجل في هرم الإنقاذ مثل الدكتور “الخضر” تتأطر في ملامحها وجود العبرة السياسية التي تساعد الحكومة على تقييم الدروس المستفادة من اندلاع هذه الهبة الشعبية الكبيرة، والتي جاءت في نهايات عام 2018م، والذي أبى أن يمضي دون أن يترك في سجله تاريخاً سياسياً ملحمياً في الذاكرة الوطنية والسياسية، فهنالك إشارات إنقاذية أخرى تسير على درب “الخضر” وبذلك تزداد وتيرة التفاكر حول استلهام الدروس والعبر التي أفضت إلى غليان الشارع في هذا التوقيت.
في جعبة الإنقاذ تأتي أول ملامح العبر التي تغذي الشعور الطبيعي بأن أي شرارة يمكن أن تكبر وتتضخم بشكل محسوس وواقعي إذا لم يتم تلافي انتشارها في الفضاءات ومن هنا هل يتعين على الإنقاذ التفكير في الطريقة المثلى التي تطفئ بها الحرائق!.. وفي جانب العبر تتضح حاجة السلطة الحاكمة إلى تناغم الأجنحة المتضاربة على باحة المؤتمر الوطني من أجل توحيد المنهج والسياسات التي تؤدي إلى تماسك القرارات.. لا شك أن المواجهات التي شهدتها الاحتجاجات الأخيرة قد أفرزت الدلالات والمعاني المؤسفة التي أدت إلى حصاد بعض النفوس وتجاوز الخطوط الحمراء، مثلما أشار بذلك وزير الإعلام في صراحة متناهية، ومثل هذه الأعمال قد تساعد على جلب المجتمع الدولي للتدخل في الساحة السودانية من باب الحفاظ على حقوق الإنسان وحماية الأرواح.. فأي عظة أكثر خطورة في هذا المضمار المحموم! وكم تحتاج السلطة الحاكمة إلى العبرة المأمولة في إخراج الوصفة العلاجية المواكبة والصحيحة في إيقاف ويلات المشكلة الاقتصادية الكارثية بمستوى جميع ألوانها، فهنالك الغلاء الفاحش الذي يسابق الزمن والدولار الذي أرهق السياسة الاقتصادية والنقدية، فضلاً عن الفساد الذي هزم المشهد العام والإحباط الذي دخل جميع النفوس.. كم تسعد أي سلطة في العالم عندما تتلمس إيجابيات نكهة حكمها وإيقاعه على المواطنين، وكم تسمو أي حكومة عندما تحاول كسب العقول قبل العواطف، وما أعظم تذكرة الفلاح التي تجنيها الأنظمة التي تظفر بالمكاسب العملية التي تهزم ألسنة التدليس!!. ما أحوج سفينة الإنقاذ للدروس والعبر والمراجعة الذاتية العميقة وتغييب الدفاتر بعين الفحص المتجرد والرؤية الحيادية النزيهة والتي أملتها الأحداث السياسية في عام 2018م.