(المجهر) تنقل من جوبا احتفال الـ(9) ساعات باتفاق سلام جنوب السودان
استقبال حار لـ"البشير" و"سلفاكير" يطلب الاعتذار و"ربيكا قرنق" توضح سبب الغياب
جوبا – طلال إسماعيل
اختلطت المشاعر من مطار الخرطوم إلى مطار جوبا ليلة (الثلاثاء) الماضية، بينما كانت طائرة وفد المقدمة لأحزاب المعارضة بجنوب السودان ووفد الإعلاميين والفنانين برئاسة وزير الدولة للإعلام والاتصالات “مأمون حسن إبراهيم” تحلق في عاصمة جنوب السودان، لتبدد المخاوف من عدم تطبيق اتفاق السلام الذي رعته الخرطوم تحت مظلة (الإيقاد)، الليل يخيم على الأجواء وطائرة بدر تقترب عند الساعة التاسعة مساءً من المدرج بعد ساعتين إلا ربعاً.
السلطان “عبد الباقي أكول” جلس صامتاً في الطائرة، وقيادات وسيطة من المعارضة الجنوبية تخوض في نقاش عميق حول مستقبل الدولة الوليدة، استقبلنا عند وصولنا مطار جوبا مستشار رئيس حكومة جنوب السودان للشؤون الأمنية “توت قلواك”.
دموع وأنغام في ميدان الباسكت على إيقاع الفن
استعجل وفد السفارة السودانية بجوبا، وسلطات حكومة جنوب السودان، الوفد المكون من الفنانين د.”عبد القادر سالم” و”مجذوب أونسة” و”عمر إحساس” و”شذى عبد الله”، للذهاب على عجل إلى ميدان الباسكت – ملعب كرة السلة بنمرة (3) – لإحياء حفل فني معلن عنه على شرف بدء تنفيذ اتفاقية السلام، الساعة العاشرة مساءً، والحضور ينتظرون الوفد، وعلى أنغام السلم الخماسي رقص أهل جوبا يعيدون ذكريات ما قبل الانفصال.
وزير الدولة للإعلام السوداني “مأمون حسن”، قال: إن وفد المقدمة يتكون من مجموعة من قادة العمل الإعلامي يمثلون القيادات الإعلامية في السودان، بجانب ممثلين لأهل الثقافة بالسودان جاءوا ليحتفلوا مع دولة جنوب السودان بالسلام والعمل على استدامته.
وأضاف في تصريحات صحفية بمطار جوبا : “نحن يمثل لنا هذا السلام والاحتفال نقطة أساسية جداً في دعم العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان ونحمل مشاعر أهل السودان من خلال ما يربط بيننا” .
خرجنا من نمرة (3) عند الساعات الأولى من فجر يوم أمس (الأربعاء)، نحتسي القهوة، في حي ملكية، الشوارع خالية من المظاهر الأمنية ماعدا الحراسات الموجودة في بيوت كبار القادة، لا شيء يدعو للقلق قبل ساعات من الاحتفال بالتوقيع على اتفاق السلام.
رؤساء الدول يضعون إكليل الزهور على قبر “قرنق”
كثفت سلطات جنوب السودان في ميدان الحرية من إجراءاتها الأمنية المشددة، ووضعت بوابات الكترونية عند المداخل، وشملت انتشار قوات الشرطة وأفراد جهاز الأمن، في جميع شوارع العاصمة جوبا وأغلقت الشارع الرئيسي من مطار جوبا وحتى الأمانة العامة لحكومة ولاية جوبيك وشارع القصر الرئاسي والوزارات.
وصل إلى ميدان الحرية جوار قبر رئيس حكومة الجنوب السابق وزعيم الحركة الشعبية “جون قرنق” أمس (الأربعاء)، الرئيس “عمر البشير”، واليوغندي “يوري موسفيني”، والصومالي “محمد عبد الله”، ورئيسة إثيوبيا “ساهلي زويدي”، ورئيس الوزراء المصري “مصطفى كامل”، ووجد “البشير” ترحيباً خاصاً من الحضور ، وسبقه وفده وزير الخارجية “الدرديري محمد أحمد” ووزير الدفاع الفريق أول ركن “عوض ابن عوف” ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول “صلاح عبد الله”، وعند وصول رئيس حكومة جنوب السودان “سلفاكير ميارديت” عزف السلام الجمهوري، واصطحب معه الرؤساء إلى قبر “جون قرنق” ليضعوا عليه أكليلاً من الزهور.
وصول “رياك مشار”..الارتياح يسود والجماهير تهتف للسلام
عند وصول زعيم المعارضة الجنوبية د.”رياك مشار” إلى منصة الاحتفال، بدأ الارتياح، وهتفت الجماهير للسلام. وحرصت اللجنة المنظمة على أداء الصلاة من أجل الاستقرار في جنوب السودان وذلك بعد أن ظلت الجماهير تنتظر لما يقارب (9) ساعات منذ بداية الاحتفال إلى نهايته.
“قبريال” و”رياك مشار”…كلمتان للمعارضة
تحدث الرئيس المؤقت لتحالف أحزاب المعارضة (سوا) “قبريال جانسون” عن التزامهم باتفاق السلام الشامل، والعمل على تنفيذه، ودعا إلى إيقاف الحرب في جنوب السودان. وقال :”إن مشاركتهم في احتفالات جوبا ، تلبية لدعوة “كير” وزيادة الثقة لتنفيذ الاتفاقية ، وتابع: “رسالتنا في التحالف لجميع الأطراف الموقعة على الاتفاق هو إيقاف صوت الحرب، وتأكيد الرغبة في تنفيذ الاتفاقية لمصلحة شعب جنوب السودان في نهاية المطاف”.
ومن جانبه، طالب رئيس المعارضة “رياك مشار” من الرئيس “سلفاكير” إتاحة الحريات السياسية وإطلاق سراح أسرى الحرب والمعتقلين السياسيين ، ورفع حالة الطوارئ تنفيذاً لاتفاق السلام. وقال:” عايز أشكر الرئيس “سلفاكير ميارديت” الذي وجه الدعوة لنا في المعارضة عشان نجئ نحتفل معاكم في جوبا، الاتفاقية تنص على أننا نأتي لجوبا بعد (8) شهور ولكن قلنا: في احتفال زي ده منو الما بجئ؟ لازم نجئ.”
وأضاف “مشار” :” لو جئنا بعد (8) شهور بعض منكم ح يقول نحن ماعايزين سلام، لكن نحن عايزين سلام، وقلبنا في السلام زيكم، ونحن نريد أن ننفذ اتفاق السلام ووقعناه عشانكم، لو في زول ماجاء لميدان الحرية، قولوا ليهو والله شفت “مشار” بعيني جاء لجوبا”.
وبموجب اتفاق السلام، سيتولى “مشار”، في مايو المقبل، منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية خلال فترة انتقالية تستمر لمدة (3) سنوات، تُجرى بعدها انتخابات عامة.
ظروف صحية تحول دون مشاركة “ربيكا”
كشفت “ربيكا نيانديق دي مبيور”، أرملة الراحل الدكتور “جون قرنق” ، عن أسباب عدم مشاركتها في احتفالات السلام، مؤكدة دعمها لاتفاق السلام.
وقالت: إنها لا تريد أن تفهم شعب جنوب السودان ، عدم مشاركتها في احتفالات السلام بجوبا على إنها ضد الاتفاقية، وتابعت “أريد أن أخبر شعب جنوب السودان أنني مع القيادة ولم أتمكن من حضور احتفالات السلام لأسباب صحية، لكنني معهم في كل خطوة ، إذا كان الشعب يريد السلام فمن أنا حتى أرفض السلام”.
وقدمت “ربيكا” اعتذاراً لشعب جنوب السودان ، باعتبارها من مسببي الأزمة ،على حسب تعبيرها.
وزادت قائلة” “أعتذر لكم لأننا السبب والآن لقد فتحنا صفحة جديدة ، وشعب الجنوب هم شعب طيب ونحن القادة من جلبنا هذه الأزمة لكم”.
دكتوراه فخرية لـ”البشير”
منحت جامعة جوبا الدكتوراه الفخرية لرئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” عرفاناً وتقديراً لدوره في تحقيق السلام والاستقرار في الإقليم خاصة السلام في جمهورية جنوب السودان برعايته لمفاوضات السلام بين فرقاء الجنوب، وتحقيق اتفاق السلام الشامل بين الحكومة السودانية وحركة جيش تحرير السودان في نيفاشا فضلاً عن جهوده في تحقيق السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وتعهد “البشير”، بالوقوف مع دولة جنوب السودان حتى يتحقق السلام الشامل وتتوقف البندقية في أراضيه إلى الأبد، قائلاً: ” كل إمكانات السودان ستكون تحت تصرف الجنوب إلى أن يعيش كل مواطنيه في أمان”.
وقال مخاطباً الحفل: “نريد وحدة جنوبية والاتفاقية التي تم التوقيع عليها اتفاقية المواطن وليست اتفاقية القادة، مشدداً على أهمية تنزيلها على أرض الواقع وإزالة كل آثار الحرب، والوصول لمصالحة حقيقية لتحقيق السلام الشامل لكل مواطن”.
وأضاف :”لن نترك الجنوب حتى نرى المزارعين عادوا إلى مزارعهم والأطفال إلى مدارسهم والرعاة إلى مراعيهم لبناء جنوب السودان الجديد كل المواطنين فيه متساويين”.
وأضاف قائلاً: “نحن سعداء بزيارتكم لأن موقفنا كان واضحاً من السلام لأننا ضحينا بوحدة السودان من أجل السلام الذي يعيد الأمن والطمأنينة لبلدينا”.
وقال “البشير”:” نحن مرتبطون وجدانياً ولدينا مسؤولية أخلاقية تجاه جنوب السودان، وأريد أن أرى أي مواطن هنا آمناً ومستقراً”.
وشدد على أن جنوب السودان بلد غني وقادر على أن يوفر العيش الكريم لكل مواطنيه.
وجدد “البشير” تعهده بالوقوف مع الجنوب حتى يكتمل تنفيذ الاتفاقية، وقال :”سنقف معكم لتنفيذ اتفاقية السلام ولن يهدأ لنا بال إلى أن نرى البندقية وقفت تماماً وعاد كل النازحين إلى منازلهم”.
ومن جانبه ، ناشد الرئيس اليوغندي “يوري موسيفيني” ، القادة السياسيين في جنوب السودان ، لعدم استخدام الهوية في السياسة لتحقيق مصالحهم الشخصية، في الوقت الذي اتهم فيه “موسيفيني”، جهات أجنبية بزعزعة الأمن والاستقرار في الإقليم باستخدام سياسة التفرقة ضد القيادات.
لرئيس “سلفاكير” يعفي “جيمس قديت” من عقوبة الإعدام ويطلق سراحه
أعلن رئيس جمهورية جنوب السودان “سلفاكير ميارديت” إعفاء المتحدث السابق باسم رئيس المعارضة المسلحة ، “جيمس قديت” ، من عقوبة الإعدام وإطلاق سراحه.
وأصدرت المحكمة في جنوب السودان الحكم بالإعدام على “جيمس قديت” في فبراير هذا العام ، لإدانته بتهم تتعلق بالخيانة تحت المادة (64) ، ونشر معلومات كاذبة تحت المادة (75) ، وإهانة رئيس الجمهورية تحت المادة (76)، بموجب قانون العقوبات لجمهورية جنوب السودان لسنة 2008 .
وقال “سلفاكير” في خطابه، أنه أعفى “جيمس قديت” من عقوبة الإعدام وإطلاق سراحه، تنفيذاً لاتفاق السلام وبناء الثقة بين الأطراف.
ووعد “سلفاكير” ، أيضاً بإطلاق سراح مستشار سابق لـ”رياك مشار” ، الجنوب أفريقي الجنسية ، “وليان جون إندلي” ، بإعفائه من عقوبة الإعدام وإطلاق سراحه ثم ترحيله إلى بلاده اليوم (الخميس).
وتقدم رئيس جنوب السودان بـ”اعتذار علني للشعب” عن المعاناة التي سببتها الحرب بين الحكومة والمعارضة، وذكر أن اليوم “سيكون بداية لانتهاء مظاهر الاقتتال”، موجهاً أمراً للجيش والشرطة والأمن بالسماح بحركة المواطنين عبر الطرق البرية والنهرية.
وأضاف: إنه و”مشار”، وبقية القادة، تعاهدوا على قيادة البلاد نحو التعافي وتجاوز الخلافات الشخصية،وأكد حرصه والتزامه بتنفيذ اتفاق السلام .وقال:” إن المناخ أصبح مهيئاً لتحقيق السلام”، وأضاف إن ذلك لا يتم إلا بدعم المجتمع الإقليمي والدولي.
وأشاد “سلفاكير” بجهود رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” والرئيس الأوغندي “يوري موسفيني لدورهما في تحقيق السلام في جنوب السودان، بجانب رئيس رواندا “بول كيامي”، ورئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الاتحادية “آبي أحمد” ،والرئيس أهورو كنياتا رئيس كينيا ، والمجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا ومجلس الأمن والمنظمات الإنسانية.
واعتذر “سلفاكير” للجماهير الغفيرة التي احتشدت بميدان الحرية ما أصاب الشعب جراء الحرب باعتباره رئيساً للدولة، في الوقت نفسه دعا كل الأطراف إلى دفع عملية السلام حتى يعيش شعب جنوب السودان في سلام واستقرار.