لم يتصور المؤتمر الوطني أن يشتط مولانا “محمد عثمان الميرغني” غضباً شديداً يحمل إشارات ملتهبة كادت أن تؤدي إلى دخول مشاركة حزبه في حكومة الوفاق الوطني إلى اختبار قاسٍ وخيارات صاعقة، بعد أن شعر حسياً بحجم الخسارة التي يتحملها حزبه بقرار الوطني في تخفيض تمثيله في الولايات بنسبة (50%) وإلغاء جميع معتمدي الرئاسة، الشيء الذي يعني بأن الاتحادي الأصل قد خسر التمثيل الدستوري في حوالي (12) ولاية في البلاد، وهي خطوة قد تعني إضعاف الوجود الحزبي في تلك الولايات، فضلاً عن مؤثراتها السالبة في البصمة التاريخية والوجدانية بالاتحادي الأصل هنالك في ظل الاستعدادات المرتقبة لانتخابات 2020م.. ارتكزت غضبة مولانا على منهج الوطني الذي يضع الشركاء في خانة الأمر الواقع حين يريد تمرير أجندته السياسية، بعد أن كان قد طلب من الوطني فور إقدامه على تصور التخفيض لدستوريي الحزب بمراجعة هذا القرار الذي يؤثر على مكانة الاتحادي الأصل وثقله الجماهيري ومكانته السياسية خاصة في مناطق الأقاليم.
في السياق، وجد مولانا نفسه يطلب من وزراء الحزب المختارين بعدم أداء القسم في ولاياتهم بعد إصرار الوطني على النسبة المخصصة للحزب، فكانت العملية صادمة للحزب الحاكم، حيث جرت اتصالات مكثفة بين مولانا والدكتور “عبد الرحمن الخضر” القيادي الوطني تمخضت عنها نقطتان.. الأولى شرح “الخضر” لمولانا أهمية قرارات التقشف في المرحلة الحالية والمقبلة مصحوبة بمشاركة الاتحادي الأصل في التوليفة الجديدة، أما النقطة الثانية فقد ظهرت في إضافة وزارة أخرى بالحزب بولاية غرب دارفور يمثلها الأستاذ “نور الدين بركات” وتخصيص موقع دستوري آخر للحزب في المستقبل، وبعد ذلك تم التوافق على المشاركة في ولايات الشمالية والجزيرة والبحر الأحمر وكسلا والخرطوم.
من نافذة القول أن الاتحادي الأصل قد ارتبط في أذهان المجتمع السوداني بالتصاقه بالجماهير العريضة وتبني قضاياها الكثيرة، لذلك عز عليه انقطاع الوصال الحزبي في تلك الأقاليم والتي يمثل الوجود الدستوري أحد أدواتها، فلم يتحمل الحزب اختفاءه في نهر النيل والقضارف وسنار وشمال كردفان والنيل الأزرق والنيل الأبيض وجنوب كردفان وغرب دارفور وبقية الولايات الأخرى، حيث يوجد الهيام الحزبي والتراث الاتحادي في تلك المناطق، وتتراءى تلك الصور الباذخة في ارتباط الحزب بموسم اللقيط وطق الصمغ وجاز بوابير الزراعة وتشغيل الدونكي وحصاد الفول والقمح والقطن، ها هي جنوب دارفور تقدم النموذج الكبير وترفد الحزب بالكثافة السكانية والولاء الشامخ ومعقل الختمية والنشاط الدافق لرموزها على رأسهم “أبوسن الدابي” و”أسامة عطا المنان” وها هي سنار التي أخرجت الرمز “فضل تور الدبة” فهي بلد الزراعة المطرية والمروية، وها هي شمال كردفان ولاية صادرات السودان يتقدمها الرجل الكبير “سليمان دقق” حيث قدمنا صورة من بعض الولايات التي يتحسر الحزب على خروجها من تشكيلة التمثيل الدستوري.. وفي السياق الكثيرون يتحدثون عن ماذا قدم وماذا فعل هؤلاء الذين كانوا يشكلون اللجنة الحزبية المناط بها جلب المكاسب في قطار المشاركة.. مهما يكن فإنه يمكن القول بأن ثمار المشاركة الحزبية الولائية قد خلصت إلى معالجة ملغومة لا تتماشى مع أهداف الحزب وطموحه وهي أمام تحديات دور الاتحادي الأصل في تلك المناطق التي ارتسمت في لحمه ودمه!!