ولنا رأي

لصوص المال العام!!

تطالعنا سنوياً قائمة المراجع العام بحجم التعدي على المال العام من قبل الموظفين أو المؤتمنين على مال الدولة، ولم تكن القوانين التي يصدرها النائب العام كافية لردع أولئك اللصوص ولا نقول المعتدين على مال الشعب الذي يفترض أن يصان من قبل أولئك الذين يتباهون بمال الشعب والشعب يعيش في ضنك من العيش وشظف، بينما أولئك اللصوص يعيشون في بحبوحة من العيش، يركبون العربات الفارهة والثياب النظيفة والعطور المميزة ويسكنون القصور، والمواطن المسكين يبحث عن (قطية) تقيه الحر والبرد هو وأولاده.
لقد أصبح التعدي على المال مباحاً لأولئك فاقدي الضمير، وفاقدي الحس الوطني.. أصبحوا لا تردعهم القوانين التي (يتخارجون) من نصوصها بأية طريقة من الطرق، ولا يحركهم ضميرهم.. كيف يأكلون مال الشعب؟ وكيف يدفعون بأبنائهم إلى التهلكة بعد أن يقذفوا في جيوبهم المال الحرام؟ لقد ظن أولئك اللصوص أن الدنيا تفاخر بالمال والعيال.. يأتون به بأية طريقة من الطرق لا يهم إن أخذوا مال الدولة أو خدعوا المواطنين البسطاء واستولوا على مالهم لينعموا به.
نلاحظ أن موظفاً بسيطاً (كحيان) لا يملك قوت يومه، وبين ليلة وضحاها أصبح من أصحاب الأموال، وتطاول في البنيان، ويمتطي سيارة من أجود وأفخم الأنواع.. ألم يتحرك ضمير أسرته.. من أين لابنهم بكل هذا المال؟ هل عمل سنتين أو حتى عشر سنوات بإمكانه أن يقلب حياة هذا الرجل رأساً على عقب؟ هل بالإمكان أن يتحول الرجل من سكن بسيط في أحد الأحياء الشعبية إلى سكن فاخر متعدد الطوابق بكافوري أو المنشية أو الطائف أو أية منطقة من المناطق التي استُحدثت لمثل أولئك؟ من أين أتى هذا اللص بكل هذا المال ليبني سكناً فاخراً وله عدد من السيارات بعد أن كان يمتطي الحمار في حله وترحاله؟ كيف تحول من راكب حمار أو حصان إلى عربة برادو أو أي نوع من أنواع العربات التي لا نشاهدها إلا في الأفلام أو عند الأمراء أو في الدول المتقدمة؟ كيف بهذا الشخص ينتقل (180) درجة بعد أن كان من المسحوقين؟ ألم يسأل مدير المؤسسة أو الشركة أو الوزارة من أين أتى هذا الموظف بكل هذا المال وكيف أصبح نظيفاً في ملبسه بعد أن كان يأتي وقميصه (مكرفس)؟ كيف تعددت قمصان وبناطلين هذا الموظف بعد أن كان يستلف حق الفطور أو يستدين من الصراف؟ كيف تحول من دائن إلى مدين؟ كيف أصبح يلجأ إليه إخوانه الموظفون ليحل لهم مشاكلهم المالية بعد أن كان يلجأ إليهم لحل مشكلته؟
إن التعدي على المال العام مسؤولة عنه أولاً الجهة الرسمية، إن كانت وزارة أو مصلحة حكومية أو شركة عامة أو خاصة، قبل أن تكون المسؤولية مسؤولية فردية.. فالشخص يتحول إلى لص حينما يجد المال أمامه ولا أحد يسأله عنه، ولا أحد يراجعه، ولا أحد يطالبه بتقديم كشف حساب يومي أو أسبوعي أو شهري، وطالما أصبح المال بين يديه لا أحد يسأله، فالشيطان له بالمرصاد يزين له كل شيء.. يأخذ مبلغاً بسيطاً اليوم ويزيد المبلغ أكثر فأكثر إلى أن يتحول هذا الموظف إلى (حرامي) باللغة البلدية، ومن ثم يأتي المراجع فيكتشف مبالغ طائلة قد فقدتها المؤسسة أو المصلحة ويحاصر الشخص بالمستندات.. وليس هناك مفر غير الاعتراف ولكن من أين سيسدد المبالغ الطائلة التي تلاعب وتظاهر بها باعتباره أحد الأعيان، أو أحد الذين انفتحت لهم خزائن الأرض، أو جاءته (ليلة القدر)، أو ظهرت له ورثة بالملايين..
إن ظاهرة التعدي على المال العام لن تنتهي، و(الحرامية) لن يوقفوا السرقة إذا كانوا في مأمن أو معهم شركاء يغطون ويتسترون عليهم.. لذا لابد أن يراجع المسؤول خزينة المؤسسة يومياً أو أسبوعياً على أسوأ الفروض، حتى يُعالج هذا الخلل أو هذا الداء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية