ولنا رأي

طاحونة كاب اللبوس!!

صلاح حبيب

أزمة الخبز التي شهدتها ولاية الخرطوم في الفترة الماضية جعلت كل مواطن يقف عند أي مخبز يحس بتوفره فيه، وخلال مروري بشارع الدومة أحد أهم شوارع حي ودنوباوي العريق وقفت عند مخبز يطلق عليه الآن مخبز “ساريا وماريا” وهما بنتان للراحل “مهدي حمد” أحد سكان الحي.. وجدت مجموعة من الشباب والكبار في انتظار شراء الخبز، فسألتهم من كان يعرف اسم الموقع قبل أن يصبح مخبزاً، بل قدمت لهم جائزة لمن يعرف الاسم ، ولكن لا أحد توصل إلى الاسم بمن فيهم صاحب المخبز، وهذا يدل على أن كل الذين كانوا يقفون للشراء إما حديثي عهد بود نوباوي أو عابري طريق أو صغاراً في السن لم يجدوا من يقص عليهم كيف كان حي ود نوباوي، فمخبز “ساريا وماريا” كان طاحونة يطلق عليها طاحونة “كاب اللبوس” وهي الطاحونة الوحيدة الموجودة بالحي يرتادها معظم السكان، فالكسرة كانت الغذاء الوحيد للسكان، وطاحونة “كاب اللبوس” تعد من العلامات البارزة في ود نوباوي فكل من ولد في هذا الحي العريق يعرفها تماماً لأن الصغار كان يوكل إليهم طحن الدقيق في هذه الطاحونة، فود نوباوي حي من أحياء مدينة أم درمان العريقة مثلها ومثل أحياء أبو روف وبيت المال والملازمين ومكي والهاشماب وغيرها من الأحياء التي شكلت مدينة أم درمان ، فمعظم سكانها من الدناقلة جاءوا مع المهدي واستوطنوا فيها قبل أن تفد إليها قبائل أخرى وسكن فيها المهدي ومن بعده الإمام “عبد الرحمن المهدي” والسيد “الصديق” والإمام “الهادي”، الذي مازال أبناؤه يقطنون الحي، وأقاموا منازل للأنصار الذين يفدون من مناطق دارفور محبةً في الإمام المهدي، فأطلق على تلك المنازل (المنزلة) أي مكان السكن، فسكنوا الحي وأصبحوا من السكان الأصليين وما زال الكثيرون منهم موجودين.. وحي ود نوباوي سكانه أشبه بالأهل من شدة الترابط بينهم ، وعرفت بالحيشان مثل حوش ود إدريس وحوش الشفايعة، وحوش ود دفع الله ،وحوش دولة ،وكثير من الحيشان التي اشتهرت بها ،إضافة إلى النفاجات وهي أيضاً من مميزات هذا الحي العريق، ولم يضم الحي الساسة فقط بل كان هناك ظرفاء المدينة وأشهرهم “موسى ود نفاش” وهو شخص وليس أسطورة عرفه الجميع بنكاته الساخرة وسرعة بديهته في الرد علي الآخرين، ومازال منزله موجوداً، ومازالت أسرته موجودة رغم انتقال الكثيرين من سكان الحي إلى الثورات وغيرها من المناطق، ومن أشهر الظرفاء الراحل “سينا” وغيرهم ممن تركوا بصمات واضحة في الحي وسكان ود نوباوي يميلون تقريباً إلى تشجيع نادي المريخ الذي يعد الراحل شاخور أشهر رؤساء النادي، وحي ود نوباوي لم يرفض التيارات السياسية الأخرى ففيه الطريقة السمانية وشيخها الشيخ “قريب الله” والشيخ “الفاتح” والد الراحل البروفسور “حسن الشيخ الفاتح قريب الله” مدير جامعة أم درمان الإسلامية وأشقائه الدكتور “أبا صالح” والدكتور “عبد المحمود” و”محمد” و”عباس”، وشيخ الحركة الإسلامية الراحل الشيخ “صادق عبد الله عبد الماجد”، والأستاذ “دفع الله الحاج يوسف” رئيس القضاء الأسبق، ووزير التربية إبان الحكم المايوي، لقد ضمت ود نوباوي ألوان الطيف، فكلهم بمثابة الأهل رغم اختلاف العقيدة والطريقة أو التيار الذي ينتمون إليه ،وحي ود نوباوي فيه الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة القومي، والدكتور “الصادق الهادي المهدي” رئيس حزب الأمة ، وزير التعليم العالي، و”مبارك عبد الله الفاضل”، وفيه الدكتور “مطرف صديق علي نميري”، وفيه الفنان “نجم الدين الفاضل”،والدكتور الراحل “خليل عبد الرحيم”، و”الفاضل أزرق” و”مهدي”، فطاحونة “كاب اللبوس” كانت واحدة من العلامات البارزة في الحي .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية