تحدثت بالأمس عن الحوار الذي أجرته (سودانية 24) مع البروفيسور “تاج السر مصطفى”، وزير الصناعة والاستثمار الأسبق، والحوار حمل الكثير من المعلومات الغائبة عن أبناء هذا الشعب، ولكن المشكلة أن حملة تلك المعلومات لا يفصحون بها إلا في مثل هذه الحالات، أو عبر البحث والتنقيب التي تجرى مع حامليها، إن البروفيسور “تاج السر مصطفى” لديه من الإمكانيات والقدرات الهائلة في مجاله الاقتصادي، ولكن دائماً في حالة لبدان، وأذكر أنني سبق أن أجريت معه حواراً تناول جانباً آخر عن حياته، فتحدث عن انتدابه للحصول على درجة الدكتوراه بأمريكا على ما اعتقد، فقال لي إن طبيعة السودانيين الانزواء، وإن مشرفه كان يظن أنه لا يستطيع على إكمال الرسالة نظراً لتلك الحالة السودانية، ولكن في النهاية اكتشف المشرف أن له قدرة هائلة من العلم، فالبروفيسور “تاج السر” يميل إلى الصمت أكثر من الحديث، ولكن القيادة اكتشفت فيه تلك الميزات التي اكتشفها عنه مشرف رسالته للدكتوراه بأمريكا، فقال إن النائب الأول لرئيس الجمهورية، آنذاك الأستاذ “علي عثمان محمد طه” استدعاه إلى مكتبه فأخبره أن لجنة كونت للنظر في مشروع الجزيرة تحت رئاسته، وتضم حوالى ثلاثين شخصاً من المختصين في المجالات المختلفة، الري وغيرها من التخصصات المناط بها دراسة حالة مشروع الجزيرة، فقال إن مشروع الجزيرة الذي أنشئ في العام 1927، كان شراكة بين شركة بريطانية وحكومة السودان لزراعة القطن طويل التيلة، وحقق المشروع إنتاجية عالية جداً، وكان القطن الأول في العالم، ولكن بعد فترة الرئيس “عبود” انحرف المشروع عن مهامه الأولى، فأدخلت محاصيل زراعية إلى جانبه، ولكنها قللت من إنتاجيته مثل الذرة والبصل وغيرها من المحصولات الأخرى، فقال إن المزارعين كانوا يستدينون من الحكومة، ولكنهم يعجزون من تسديد المديونية مما أدى إلى تراكم الديون، فقال إن تلك اللجنة بعد دراسات مستفيضة قررت أن يقسم المشروع إلى مشاريع إنتاجية أخرى مثل تربية الحيوان يستفاد منه في اللحوم والألبان وصناعة السُكر، بجانب بعض المشاريع الأخرى التي تقلل من الخسارة، فقال “تاج السر” إن اتحاد مزارعي الجزيرة رفض هذه الدراسة، وقالوا لن يتم ذلك إلا على أجسادهم، وهذا يعني أن مشروع الجزيرة سبب فشله المزارعين أنفسهم الذين رفضوا التطور، فحديث البروفيسور “تاج السر” يحتاج إلى وقفة متأنية من الجميع، وعلى رأس أولئك اتحاد مزارعي الجزيرة أنفسهم، لأن حديث “تاج السر” واللجان التي شكلت سواء كان اللجنة الأولى التي شكلت في 1998 أو في 2005 كلها وضعت دراسات ممتازة وتساعد في نهضة المشروع بدلاً من الدمار والخراب الذي أصابه وحملت جهات بعينها هذا الفشل، فغياب المعلومة من قبل لجنة “تاج السر” الأولى والثانية، وتمسك اتحاد مزارعي الجزيرة برأيه هو السبب الأساسي في أن يظل المشروع في هذه الحالة المأساوية، فيجب أن تستدعي من جديد تلك اللجنة أو تشكيل لجنة أخرى مع الاستفادة من دراسات وأوراق اللجان السابقة للنهوض بالمشروع من جديد، الكل يسمع أن مشروع الجزيرة تم تدميره، ولم تحدد الجهة التي قامت بالتدمير، لأن المعلومة ناقصة، فاكتمال المعلومة يكشف الحقيقة، وناس الإنقاذ أحياناً يلوذون بالصمت حينما تعلوا أصوات أخرى.. فالمشروع هو مستقبل البلاد فلابد أن يجلس الجميع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو محاولة إعادة المحاصيل التي تدخل مالاً على الدولة وعلى المزارعين أنفسهم، إن كان القطن أو الذرة أو غيرها من المحاصيل التي يمكن أن تزرع ولا تؤثر سلباً عليه.