رأي

عنصرية كليب (أرض السُمر والنيل) !

الرشيد المهدية

ارتكبت شركة نبتة للإنتاج الفني والإعلامي، خطئاً فادحاً في حق السودانيين، في الكليب الذي أنتجته وأطلقت عليه (أرض السُمر)، لأنه رسخ للأسف وبعنفوان ساذج للفكر العنصري، الذي يجعل من لون بشرة الإنسان مرتكزاً للتقليل من قيمته أو تفضيله على الآخرين، مؤكدة بعفوية مشروعيته كأمر مستساغ على الرغم من علاقته الوطيدة الممتدة إلى وحشية بني آدم وعنصريته ضد إنسان آخر مثله، والتي ما زالت توابعها مستمرة وموضع معاناة في شتى بقاع الأرض حتى يومنا هذا! وإن كلمة (السمر)، تحديداً تحمل ليس فقط المعنى المجرد، (لون بشرة الإنسان)، أو حتى لون إبله (الإبل) وإنما رمزية مصطلح صاغته “الييس ووكر” في عام 1982، ويعني (أن لون البشرة يستخدم كآلية واحدة فقط لتصنيف الأفراد إلى فئة أو طبقة عرقية)، ويحمل تعريف لون البشرة (Colourism) في قاموس “كولينز” ما نعني، حيث تم تعريفه على أنه (التمييز الذي يتم فيه تصنيف الناس على أساس لون بشرتهم) ! ! !  لقد فات على المسؤولين في شركة نبتة للإنتاج الفني والإعلامي التدقيق في استخدام هذه الكلمة تحديداً وعن استخداماتها الخبيثة التي تقر مجملاً بضحالة ذكاء الإنسان الذي تم وصفه أو مناداته بها، وبفقره وتخلفه عن بقية خلق الله وفي أحيان أخرى تميزه وتفضيله سواء بين أهله أو قبيلته أو عشيرته أو مع الإثنيات الأخرى. . . وبعيداً عن الجدل هل نحن سود أم سمر أم خلافه؟. . . السودان بلد متعدد الثقافات بتكوينه الإثني حتى قبل أن يوسع المستعمر غنيمته ويضم مملكة دارفور بعد الحرب العالمية الثانية وجنوب السودان وغيرهم في خارطة جغرافية سياسية واحدة لدولة واحدة لخدمة مصالحه، فما بالك بعد أن ورثها أهل السودان عقب الاستقلال بحدودها الحالية بما فيها من إثنيات متباينة الألوان والأعراق! لقد أكد إرث المستعمر على أن أرض الخير بجغرافيتها الحالية بلد (متعدد الثقافات)، على نحوٍ لا يقبل الجدل.
لذا أرى أن استخدام كلمة (السمر)، مهينة وتفتقر إلى الوصف الدقيق لديموغرافية البلد بقبائله العربية الصِرفة مثل الرشايدة في شرق السودان والهنود والأقباط والقبائل الأفريقية الصِرفة والقبائل المختلطة (القبائل المنتشرة على امتداده، خاصة في شمال ووسط وشرق البلاد)، وهي القبائل التي تصاهرت مع العرب والأتراك والقبائل الأفريقية الصرفة وغيرهم، إذن لا يمكن أن نقول إن كلمة (السمر) تشمل أو تعني كل سكان أرض الخير؟، بافتراض أنها تعني بفكر العرب، الشخص الذي هو لا أسود ولا أبيض (اللون بين السواد والبياض – السُّمْرَةُ منزلة بين البياض والسواد يكون ذلك في أَلوان الناس والإِبل)، هذا وفقاً لمعناها اللغوي بعدة قواميس عربية!

ومن المؤكد أن اختيار كلمة (السمر)، تم على مضض ولم تتم مراجعة دقيقة لبعدها الإثني أو القبلي أو العشائري أو السياسي أو السشيوسياسي واعتقد أن التعامل مع فكرة الفيديو طغى على ما سواه وأن اللحن الشجي أسرى بهم في عوالم الطرب فسهى الجميع دون قصد وتمت إجازة النص على عجل وكان استخدامها في كليب من المفترض أن ينأى عن أي (نمطية عنصرية) فما بالك بتلك القبيحة السائدة بعالمنا المعاصر، لذلك اقترح، على الإخوة في شركة نبتة والأخ المخرج المبدع، المخرج “سيف الدين حسن” (مدير مشروع أرض السمر) الآتي:

استخدام كلمة أرض الِكرامْ والنيل، أو أرض السخاء والنيل، أو أرض الإخاء والنيل، أو أي كلمة أخرى مناسبة تجسد شخصية الإنسان السوداني وتقدمه وسبقه لعصره غير إرثه الحضاري التليد، وأخيراً، ليس مقبولاً أن يتم وصف وطن بلون بشرة بعض سكانه حتى إذا افترضنا أنه لون بشرتهم جميعاً وبعفوية أقل ما يمكن أن توصف بأنها، ضارة خاصة إذا كان الوصف حمال أوجه ويرسخ لمفهوم منبوذ، ولأن الذي يتحدث مثل البط ويسبح مثل البط ويصيح مثل البط يجب أن يكون بطاً !
If it looks like a duck, swims like a duck, and quacks like a duck, it must be a duck
في الختام تمنيت لو سبق المخرج الأفكار الخلاّقة التي قدمها وفد المصورين السعوديين الذي زار الوطن مؤخراً خاصة تلك اللقطات التي أبرزت جمال العاصمة ليلاً ومن زوايا رائعة، كما تعجبت لعدم احتواء الفيديو تضمين لقطات تشمل مطار أم درمان الدولي الجديد والمدينة الرياضية وإستاد الهلال بعد تحديثه ومدينة المقرن التي لم ترَ النور وأي مخطط مستقبلي واعد حتى يظل الكليب الذي بذل فيه مجهود ضخم جسراً يربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

قريباً: حملة مناهضة العنصرية المُجَمّلة (يا زول)، الهامة، قادمة، انتظرونا.. الصمت إما لا مبالاة أو جهل بالأمور أو رضا بالأمر.. الله أكبر والعزة لأهل أرض الخير أرض الِكرامْ والنيل.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية