رأي

الحاسة السادسة

أشواك النسيان الدامية!

رشان أوشي

قالت “أحلام مستغانمي” في رائعتها نسيان دوت كوم، حول القلوب العاشقة ومسيرتها في مشاوير النسيان العصية:
“ثمة نوعان من الشقاء: الأول ألا تحصل على ماتتمناه، والثانى أن يأتيك وقد تأخر الوقت وتغيرت أنت وتغيرت الأمنيات بعد أن تكون قد شقيت بسببها بضع سنوات.”
“أن تنسى شخصاً أحببته لسنوات لا يعني أنك محوته من ذاكرتك، أنت فقط غيرت مكانه في الذاكرة، ما عاد في واجهة ذاكرتك.. حاضراً كل يوم بتفاصيله، ما عاد ذاكرتك كل حين.. غدا ذاكرتك أحياناً.. الأمر يتطلب أن يشغل آخر مكانه، ويدفع بوجوده إلى الخلف في ترتيب الذاكرة”.
سؤال ظل يؤرقني.. لماذا تحتاج النساء دهوراً لكي تنسى بينما ينسى الرجال في لحظات؟
أكاد أجزم أنه ما من امرأة وجدت إجابة لهذا السؤال، وأجزم أيضاً أنهن يسألن أنفسهن له ليل نهار، سؤال مرهق كرهق الذكريات التي تحوم في خواطرنا كلما جن ليل أو تناثرت نجوم في كبد السماء، نشعر بأننا نعيش حياة ضيقة لا مجال فيها حتى للابتسام، وتظل ذكرى خيانة ذاك، أو غدر هذا، أو رحيل ذاك يقطع أحشاءنا كلما انتحينا للوحدة ولو لبرهة، كم مرهق هو النسيان، وكم مؤلم هو الفراق والرحيل.
يوجد عدو واحد للحُب، هو ذلك الداء الأنثوي المُسمى (الكبرياء)، يقتل الدواخل ويفتك بالمشاعر، إنه داء الأنثى، وكثيراً ما نصحت صديقاتي بأن يضعن وهم كبريائهن في ثلاجة الدواخل حتى لا يفتك بهن، فكم من قصص حُب ضاعت بسبب سرطان الكبرياء، وكم من نساء متن وهن عاشقات ولكن يحول دونهن الكبرياء.
صديقتي أخبرتني قبل أيام أنها وبعد مرور ستة أعوام على انفصالها من حبيبها، اكتشفت فجأة أنها لم تعد تستطيع العيش بدونه، ضحكت ألماً.. وأخبرتها أني بعد عمري كله اكتشفت أنني لن أكون أصلاً بدونه، ولكني رغم ذلك ابتعد عن كل ما يذكرني به، لأنه ينكأ جرحاً أعلم تماماً أنه ما من شيء يرتقه، ولم يعد لدىَّ القدرة لارتقي دواخلي كما يرتقي البعض ملابسهم التي أصابها البلى، بالرغم من ذلك كثير هو ما يذكرني به، أراه حتى في عيون أصدقائي، وفنجان قهوتي الصباحية، ومرآتي في المنزل، وخزانة ملابسي، وكتبي، ومقالاتي، وقلمي وحبري وكل شيء.
كي أهرب منه لجأت لمنفى اختياري، وقررت أن أملأ نفسي بكل شيء، البيت، العمل، العائلة، الأصدقاء، رغم ذلك ظل يطاردني حيثما ذهبت حتى في أحلامي أراه يجالسني ويحكي قصصه القديمة.
اتعمد أحياناً أن أقتله في اللاوعي، أن أطرده من خيالي، ولكنه عنيد كعناد كبريائي حين اختار الرحيل عنه، يلازمني، يرفض الرحيل عن اللاوعي، بينما يرحل من الواقع إلى أخرى.
وحينما أعود من ذكراه فجأة، أقول نيابة عنه لنفسي افتقدك، وأبحث كثيراً عن ملجأ دائم، أملاً في عودته مرة أخرى لواقعي بعيداً عن أحلامي فقط، ثم أعود مرة أخرى لأحلامي مهزومة وفاشلة تماماً.
أقول لك:
أنا لا انتظر عودتك فقد ظللت موجوداً دائماً في أعماقي.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية