جرس انذار

مستقبل الصحف.. صقر يخطف فراشة !!

بقلم - عادل عبده

الأزمة الطاحنة هذه الأيام بين الحكومة والمجتمع الصحفي فتحت مساراً مأساوياً في الساحة السودانية، وقد يؤدي هذا الوضع إذا صار واقعاً ملموساً إلى تشييع صاحبة الجلالة إلى مثواها الأخير، ومحو دورها التاريخي في المجتمع السوداني، وأغلب الظن ربما تتحول الصحافة من قوة كاشفة لأحوال المجتمع ومنبراً للنصح والإرشاد إلى دمية باهته لا تسمن ولا تغنى من جوع، فالشاهد أن قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2018م، بعد إجازته من مجلس الوزراء وجد اصطفافاً يحمل معارضة كبيرة من القبيلة الصحفية والمجتمع المدني، وجميع الفئات التي تناصر الحريات والشفافية.. ماذا تريد السلطة من الصحافة؟ ولماذا هذه القسوة والضرب في المليان؟.. كيف تطير الصحافة على جناحين في ظل هذه الأوضاع المزرية؟ وكيف تلعب مفاصل الأناقة والمسؤولية الوطنية وصرخة الضمير دوراً أساسياً في أشكال العمل الصحفي، إذا كبل بالجزاءات القاسية والعقوبات المزدوجة، وراجمات سحب تراخيص في عصر الألفية الثالثة وزراعة الطماطم في الماء! وهل تفكر السلطة في وجود ثلاث صحف في الساحة بعد تقليص أماكن بيع الجرايد إلى مستوى وضيع مثلما حدث في محلية أم درمان؟.
تحاول السلطة بالدمج تارة والشركات المساهمة تارة أخرى أن ترى حسناً ما ليس بالحسن، فلا بد من النظر إلى القول المأثور الذي جاء فيه (بأن كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها) فالواضح أمامنا تجربة جريدة الصحافة في الشركات العادية والشركات المساهمة بين الحكيم طه علي البشير” والأرباب “صلاح إدريس”، فقد تبخرت المحاولة بكل إمكانياتها المادية والمهنية في الهواء.. وكذلك لم تنجح شراكة الأهرام اليوم بين الأستاذ “الهندي عز الدين” والدكتور “مزمل أبو القاسم” والسيد “عبد الله دفع الله”.. وبذات القدر سقطت تجربة تجمع المحررين في جريدة القرار مثل أوراق الخريف، وفي الزاوية الأخرى نجد في أرض الواقع نجاح اسم العمل الصحفي للشخص الواحد أو المالك صاحب الأغلبية، حيث يوجد الحرص الشديد والطموح الإنساني والدهاء المهني والاستعداد للمنافسة الشريفة والبعد عن الشكوك والهواجس والظنون وانعدام مراكز الأجنحة والصراعات، فتلك هي مقومات نجاحات صحف المالك الواحد، علاوة على ذلك فإن نكهة الصحف وألقها وبقاءها واستمراريتها مبني على مجهودات الأفراد المالكين مثل ما ظهر ذلك في الفضاءات الحسية، ما عدا تجارب الصحف في مناخات الشمولية التي ترضع من ثدي الصولجان، فهذه لا تدخل في الحسابات.. وقد يقول قائل إن السلطة في مشروعها الجديد للصحف سوف تدعم الشراكات المساهمة بتصورات جديدة وعناية مكثفة واهتمامات بالغة، حتى ينجح مخططها الحالي، غير أن هذه الرؤية الحكومية سوف تصل إلى طريق مسدود لأن الشراكات المساهمة لا تصنع التطور والتقدم، حيث أن هذه الشراكات الجماعية سيكون مالها على الشيوع وبوصلتها على الشيوع وقراراتها على الشيوع وتماسكها على الشيوع، وقد تسري في مكوناتها الكساح بعد حين ويكون الحرص والدقة والمسؤولية على شاكلة تشتيت الكرة.
الشاهد أن مستقبل الصحف الآن يجسد حالة صقر يخطف فراشة، فلا شك أن دورها وكيانها وتاريخها وعلو كعبها سيكون على كف سيناريو هذا الصقر الجامح وساعتها لا يتصور أحد إفرازات تلك العتمة المظلمة!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية