ولنا رأي

رمضان فى القاهرة

صلاح حبيب

بينما الكثيرون من السودانيين يشدون الرحال إلى المملكة العربية السعودية، لأداء العُمرة وصوم رمضان، ولكن أعتاد السودانيون سنوياً أن يشدوا الرحال إلى قاهرة المعز لقضاء شهر رمضان، فالمملكة العربية السعودية خاصة الحرمين الشريفين، تتوفر فيهما العبادة وتسمو الروح إلى بارئها في هذا الشهر الكريم، من خلال النفحات الربانية أن كان في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مصر رمضان فيها يختلف تماماً عن كثير من البلدان، فإن كانت الروحانيات في مكة والمدينة، فإن مصر لا تحس برمضان فيها من حيث الطقس البارد أو المعتدل كما هو في مثل هذه الأيام، هرب كثير من السودانيين إليها لقضاء شهر رمضان، ويقال إن نصف سكان السودان الآن يقضون شهر رمضان فيها، فالروحانيات موجودة في الحسين ومنطقة الأزهر الشريف ومنطقة الغورية والقهاوي المنتشرة بمنطقة سيدنا الحسين، ولذلك تجد معظم سكان القاهرة أو القادمين إليها يسهرون حتى الصباح من خلال البرامج المتوفرة في كل منطقة منها، فالقاهرة مدينة لا تمل ولا تحس بالغربة فيها، وحتى أهلها لا تحس منهم الضيق أو مليتوا علينا البلد، كما نسمع ذلك في كثير من البلدان، ولذلك أخذت هذه الميزة التي حببت كل الناس فيها أو الذهاب إليها، ولا ننسى ونحن طلبة أن صمنا فيها سنوات ولم نحس بالغربة، فالوقت فيها يمر بسرعة والحياة سهلة والطعام متوفر في كل الأمكنة كل الأنواع، ولذلك تعد مصر من أرخص الدول العربية، وهذه ميزة أخرى جعلت مواطني البلدان الأخرى بمن فيهم السودانيون يلجأون إليها، وعلمت أن أعداداً كبيرة من السودانيين قد باعوا بيوتهم واشتروا شقق في القاهرة، فالأسعار فيها أقل من أي دولة أخرى، فقال لي أحد الزملاء إنه قد ودع المملكة العربية السعودية، بعد أن انتهت فترة عمله فيها، ولن يتجه إلى أي دولة أخرى حتى وطنه السودان لم يعد إليه.. فإلى أين ذهب؟، قال لي ما في دولة استطيع أن أقضي فيها باقي عمري إلا القاهرة، فاشترى شقة بنصف المبلغ وباقي المبلغ سيضعه وديعة في أحد البنوك لعيش منه، فالمحروسة فعلاً ملاذ لكل إنسان من يريد أن يعيش حياة هانئة، فنحن السودانيين لا فكاك من مصر أبداً مهما اختلفنا سياسياً أو اجتماعياً فلابد أن يعود الود والصفاء بين البلدين، فمصر محروسة بأهل الله، السيدة زينب والحسين والسيدة نفيسة وكل الصالحين فيها، وهذا ما جعلها أن تكون فعلاً أم الدنيا وقلب الأمة العربية النابض، ونحن في شهر رمضان المبارك نتذكر كثير من الزملاء الذين عشنا معهم أحلى الأيام في رمضان أو غيره ففي رمضان الميز دائماً يكون مقسم فمن لم يجيد فن الطبخ فعليه أن يذهب إلى السوق لشراء الاحتياجات، أمثال الدكتور “كمال محمد عثمان” أو الزميل “عبده اليمني”، الذي كان يستعد لمناقشة رسالة الماجستير، فكان من الفنانين في الطبخ، ويبدو أن الإخوة اليمنيين جلهم يجيدون الطهي و”عبده” واحد منهم، ولذلك نستعين به في الحلة، أما الأخ “إبراهيم أبو حسبو” فهو يجيد تقطيع الرغيف وتنظيم المكان، إن فترة الدراسة مهما كان الفراق من الأهل ولكن تحس في مصر أن الجميع أهلك، فلا يوجد من يعكر صفوك حتى الفلس أحياناً لا يغشاك.. فالجيب كان واحداً بين الزملاء.. فمن لم تصل حوالته يتصرف مع إخوانه إلى أن تأتي حوالته.. لذا فإن مصر هي أم الدنيا، ويحق للجميع أن يتخذها موطناً ثانياً أو أولاً..
وكل رمضان والجميع بخير والمحروسة بألف خير.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية