التشكيل الوزاري الأول في حكومة الوفاق الوطني على الأبواب.. الترقب يعلو ويهبط بين الفينة والأخرى.. فهنالك من يحمل العشم والرجاء في أحشائه على حدوث خطوة دراماتيكية ذهبية في نهاية النفق المظلم، وبذات القدر هناك من يضرب كفاً على كف يتوشح قولة الزعيم المصري الراحل “سعد زغلول” (ما فيش فايدة).
التفاؤل الصحيح لا بد أن يرتكز على مقومات عقلانية وحقائق ثابتة على أرض صلبة من المسوغات العملية والعلمية.. فهل التشكيل الوزاري القادم يحمل تلك المقومات الواضحة.. لا بد أن نغوص في أحوال الساحة السودانية.. تعج بماذا؟.. ويجب أن نلغي نظرة فاحصة على أداء الحكومة الحالية، ماذا فعلت في الإنتاج والصناعة والخدمات؟ ويمتد السؤال ماذا قدمت الحكومة الحالية للمواطن المكدود.. على نطاق تعامله مع طاحونة الحياة اليومية.. الصورة المقطعية تؤكد أن جميع أسعار السلع ترتفع بشكل جنوني ومخيف على مدار اليوم وصار صاحب كل بضاعة يرفع سعرها دون رقابة من أي سلطة حتى أضحى فوضى جريان الأسعار في البلاد من سيرك ضخم لا مثيل له في أي نقطة بالعالم.. يعج بالمضحكات والمبكيات في آن واحد.
الإجابة على سؤالنا عن موت التفاؤل في قلب المواطن نجده في معطيات الواقع المرير الذي يجسد بأن التشكيل الوزاري المنتظر يمثل فرقعة متواضعة في فنجان صغير لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يعكس إعصاراً قوياً وكاسحاً يقضي على ملامح الوجع والإحباط الذي ساد في أداء الوزارة الحالية.. على سبيل المثال، ماذا يفعل الوزير الجديد الذي سيجلس على حقيبة الزراعة في التشكيل القادم إذا وجد أن الإنتاج الزراعي والحيواني صار نكبة خجولة ونكسة واضحة المعالم.. وماذا سيفعل وزير التجارة القادم إذا وجد أن في مركبه من يشاركه في إمساك الشراع وشده إلى الأمام، بل ماذا سيفعل وزير المعادن المرتقب إذا غابت عنه مكنونات ومفاتيح وزارته التي صارت جالبة للعملة الصعبة التي لا نرى أثراً لها، وماذا يفعل وزير الصناعة القادم في قطر تحولت معظم مصانعه إلى أشباح حلت مكان دوران الماكينات والتروس، وعلى ذات المنطق ماذا يفعل أصحاب الوزارات الأخرى؟
لا يمكن لمجتمع يعيش في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة أن يكون متفائلاً ومبتهجاً، فالإحساس بالواقع المؤلم يخلق في أوصال هذا المجتمع الإحباط والبؤس والقلق النفسي، وربما تضعف قدرته على التحمل والصبر، وقد تتحول إشراقة الحياة في دواخله إلى تقطيبة على الجبين؟