هل تفلح اجتماعات وزيري خارجية السودان ومصر ومديري المخابرات في تجاوز أزمة العلاقات؟
عندما يصل غندور وعطا اليوم إلى القاهرة
الخرطوم-ميعاد مبارك
لم تكن غير قاب قوسين أو أدنى من “تسونامي” خطيرة ، كادت تضرب العلاقات السودانية المصرية، قبيل لقاء رئيس الجمهورية عمر حسن البشير ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش القمة الأفريقية الثلاثين بأديس أبابا قبل بضعة أيام، ليخرجا بعدها مؤكدين على أن العلاقات السودانية المصرية أزلية تتحدى الأزمات، وأعلنا عن تكوين لجنة سياسية أمنية مشتركة بين البلدين. وحسب ما قال وزير الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور في تصريحات صحفية في وقت سابق: (توجيه الرئيسين واضح وهو وضع هذه العلاقة في إطارها الصحيح حتى لا تتعرض لهزات أخرى).
فهل تفلح اللجنة ،التي تنعقد اليوم بالقاهرة والتي أضيف لها مدراء الأمن إلى جانب وزراء الخارجية، في حلحلة الملفات العالقة بين البلدين، التي لا تقل أزليتها عن أزلية العلاقات بين البلدين؟
ولماذا لم يعد سفير السودان الى القاهرة لحضور اجتماعات اللجنة الرباعية ولمزاولة مهامه ؟
هل لازالت الخرطوم في مربع الشك؟ وما مدى جدية القاهرة في العبور بعلاقات البلدين إلى بر الأمان؟!
# أهم الملفات:
حسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير قريب الله الخضر، فأن زيارة وزيرة الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور، ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول مهندس محمد عطا المولى للقاهرة، والتي بدأت مساء أمس الأربعاء، وستستمر ليومين، سيلتقيان خلالها بنظيريهما المصريين، ويعقدان سلسلة من الاجتماعات التي تهدف إلى وضع خارطة طريق للتعاطي مع ومعالجة الملفات والقضايا كافة، لتأمين مسار علاقات البلدين.
وأضاف الخضر، قائلا: (تأتي هذه الزيارة كإحدى ثمار موجهات القمة الثنائية التي جمعت الرئيسين البشير والسيسي على هامش القمة الثلاثين للإتحاد الأفريقي).
# مقتضيات إنشاء اللجنة الرباعية..
منذ مايو من العام الماضي ، ظل وزيرا خارجية مصر والسودان يعقدان اجتماعهما المشترك كل شهر بالتوالي في كل من البلدين، إلى أن تأزمت العلاقات في ديسمبر، الأمر الذي تسبب في استدعاء الخرطوم لسفيرها في القاهرة عبد المحمود عبد الحليم، وبعدها تم إلغاء اجتماع اللجنة الثنائية بين البلدين ، الذي كان من المقرر عقده في القاهرة وقتها، ولعل اتساع رقعة التداخل بين الملف الأمني مع السياسي فيما يلي القضايا العالقة، دفع الرئيسان لتحويل الاجتماع الثنائي إلى رباعي وإضافة مدراء أجهزة أمن البلدين.
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد، قد قال في تصريحات صحفية في وقت سابق، إن الاجتماع يأتي تنفيذًاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس عمر البشير عقب لقائهما الأخير، مبيناً أنه تم الاتفاق على إنشاء آلية تشاورية رباعية بين وزارتي الخارجية وجهازي المخابرات العامة في البلدين، لتعزيز التضامن والتعاون بين البلدين في إطار العلاقة الإستراتيجية التي تجمع بينهما، والتعامل مع كل الملفات والقضايا المرتبطة بمسار العلاقة الثنائية في مختلف المجالات، فضلاً عن إزالة أي شوائب قد تعتري تلك العلاقة في مناخ من الأخوة والتضامن ووحدة المصير في مواجهة التحديات المشتركة.
ولعل الجانبين أقرا ضمناً بوجود أزمة، خلال تصريحاتهما التي غلب على أكثرها المحافظة والعبارات الدبلوماسية، ولعل التصريحات المحافظة كانت لوعي المسؤولين في كلا البلدين بأن الخيط الذي يصل بين البلدين بات أرق مما كان ، ومع شحنات عدم الثقة والحذر يجلس وزراء الخارجية ومدراء أجهزة الأمن على طاولة الحوار على أمل الخروج بخارطة طريق تدفع بعلاقات البلدين إلى ميناء سلام، فهل هذان اليومان كافيان لوضع هذه الخارطة، وهل يعود عطا وغندور بحسابات آخرى؟
#عودة عبد المحمود
سفير السودان في القاهرة عبد المحمود عبد الحليم أوضح في تصريح لـ(المجهر) أنه لم يتم توجيهه بالعودة للقاهرة بعد، وقال (أنا في انتظار التعليمات الخاصة بمسألة العودة)، وأضاف عبد المحمود (يتم اجتماع الخميس الرباعي لوزيري الخارجية في البلدين ومديري أجهزة المخابرات ،وفاء لما أقره الرئيسان في قمة أديس أبابا، وذلك للخروج بخارطة طريق واضحة(.
الملحق الإعلامي السوداني السابق في القاهرة المهندس عبد الرحمن إبراهيم، في تعليقه على عدم توجيه السفير عبد المحمود للعودة بعد فقد أكد أن الخرطوم خلال الاجتماع ستقوم باستجلاء الموقف المصري، مشيراً إلى أن قرار عودة عبد المحمود للقاهرة أو عدمه سيكون بعد تقييم مخرجات الاجتماع الرباعي.
وعلمت (المجهر) من مصدر دبلوماسي مصري رفيع أن سفير القاهرة في الخرطوم “أسامة شلتوت” قد عاد للقاهرة لمتابعة اجتماعات لجنة وزراء خارجية ومدراء أجهزة الأمن .
ولعل الضبابية هي سيدة الموقف حتى الآن .ويمكن قراءة عودة السفير المصري في هذا التوقيت، في إطار التحسب فيما يلي ما يفضي إليه اجتماع اللجنة، أو للمتابعة عن كثب في ظل حساسية الوضع الراهن بين البلدين.
# مدلولات انعقاد اللجنة
المهندس عبد الرحمن إبراهيم يرى أن انعقاد اللجنة الرباعية يعتبر دلالة واضحة على حرص السودان على العلاقات الأزلية بين البلدين، مشيراً إلى أن ذلك يتجلى في المشاركة الرفيعة، وشخوص المشاركين الذين شخصوا الأزمة بشكل واضح (أزمة أمنية سياسية) وقال موضحاً: (ملف العلاقات بين البلدين موجود بشكل إجرائي وروتيني في وزارة الخارجية السودانية، وبشكل عملي في جهاز الأمن والمخابرات المصري) وزاد (السودان يعلم مكمن الأزمة تماماً).
#قضايا الأمن
ولعل العلامة الأبرز في هذا الاجتماع هي الأجهزة الأمنية، يقول إبراهيم في هذا الصدد كل مسببات الأزمة بين البلدين كان لها علاقة بقضايا تمس الأمن السوداني، ولعل أبرزها احتلال حلايب، والذي يمثل انتهاكاً للأمن والسيادة السودانية، فضلاً عن ممارسات الجانب المصري ضد المواطنين السودانيين في حلايب، ومحاولة تجنيسهم وعمليات استهداف المواطنين، فضلاً عن أوضاع وممتلكات المعدنين .
ومن القضايا الأمنية الأخرى قضية دعم النظام المصري للحركات المسلحة المتمردة، حيث كان آخرها ضبط معدات عسكرية مصرية بحوزتهم، فضلاً عما رشح من تنسيق مصري -إريتري يستهدف الجبهة الشرقية للحدود السودانية .
وزير الخارجية في تصريحاته في مطار الخرطوم عقب عودة الرئيس من أديس أبابا أبدى تحفظاً واضحاً في الرد حول أسئلة الصحفيين فيما يلي أسباب إغلاق الحدود مع إريتريا، مشيراً إلى أن الحدود تم إغلاقها والخرطوم لا تريد الحديث في التفاصيل.
#استجلاء موقف
المحلل السياسي والملحق الإعلامي السابق في سفارة السودان بالقاهرة عبد الرحمن إبراهيم يرى أن هذا الاجتماع بالنسبة للجانب السوداني هو خطوة في طريق استجلاء الموقف المصري، مشيراً إلى أن السودان هو المتضرر، وأن القاهرة في موضع اتهام والمطلوب منها الإيضاح، هل هي دولة صديقة أم عدوة للسودان؟، ليأتي بعد ذلك التقييم سواء رأت قيادة السودان العودة بالعلاقات إلى سابق عهدها أو الوقوف في نقطة التحفظ .
وأضاف إبراهيم: (لو نزلنا للواقع المصري، فالقاهرة الآن تبحث عن مشروع رئاسي، ولا يمكنها الالتزام على المدى الطويل بأي مشروع ما لم تستقر من الداخل، حتى تستطيع قراءة الوضع بشكل واضح وموضوعي، مؤكداً أن الشراكة بعيدة المدى مع القاهرة صعبة في الوقت الحالي نسبة للتخبط والتوتر السياسي هناك.
وزاد(مصر في مرحلة توهان يلزمها الاستقرار، ربما بعد وضوح ملامح الحكومة القادمة والتي بناء عليها يمكن قراءة وتحديد علاقتها مع الآخرين ..السودان وبقية الدول).
# شريكا أزمة:
يتجلى بوضوح للمتابع للشأن السوداني – المصري أن كلا البلدين يمر بأزماته الداخلية الخاصة، وبذا يكون الأسلم للطرفين رسم خارطة طريق واضحة تسمح بجريان المياه في مجراها الصحيح بين دولة جنوب النيل ونظيرتها شمال النيل، فقضايا البلدين تتشابك وتتصل في عدة نقاط، ورغم حالة عدم الثقة الظاهرة، ورغم محاولات الدبلوماسيين في البلدين إخفاءها ، إلا أن البلدين حتى في حال عدم التقدم في ملف العلاقات بين البلدين، وإيجاد حلول مقنعة للقضايا العالقة، سيسعيان -على أقل تقدير- للعودة إلى حيث كانت تقف العلاقات قبل الأزمة .
اليوم الخميس يجتمع وزيرا خارجية الخرطوم والقاهرة ومديرا أجهزة الأمن والمخابرات الوطني، على طاولة الملفات العالقة، فهل يفلح الطبيب والمهندس في رسم خارطة الطريق لتمتين العلاقات مع نظرائهم المصريين؟ أم تحول الحواف الحادة دون ذلك؟