ربع مقال
هؤلاء هم أهل الورع!
خالد حسن لقمان
جاءت امرأة إلى الإمام أحمد بن حنبل، فقالت: يا أبا عبدالله، إني امرأة أغزل (غزل الخيوط لصنع الملابس) في ضوء السراج، فيمر بنا العسس (رجال الشرطة) بالليل يحملون مشاعل السلطان، أيحل لي أن أغزل على ضوء نارهم؟
فبكى الإمام أحمد بن حنبل وقال لها: من
أنت؟، فقالت: أخت بِشر الحافي، فقال لها: من بيتكم يخرج الورع الصادق، لا تغزلي على شعاعها.
بكى الإمام أحمد بن حنبل لدقة السؤال وقال ما قاله، وقد علم أن مثل هذه المرأة لا يمكن أن تكون إلا كما ونشأتها في بيت بِشر الحافي، ذلك الرجل الصالح، فأجابها بقدر مقامها، لأن بيتها عرف بالورع الصادق، وأن كان الأمر يجوز .. وفي هذا وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ, وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ, وَبينها أمور مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ, كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى, يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ, أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى, أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ, أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً, إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح وأبو داوود والترمذي والنسائي في سننهم.