رأي

مجرَّد سؤال

الصاغة وتجار الذهب
رقية أبو شوك

عندما تم الانفصال في العام 2011م، ذهب جل النفط مع الانفصال بعد أن اعتمدنا عليه، من بعد الله سبحانه وتعالى، إذ كان يساهم بنسبة كبيرة جداً في الإيرادات القومية، وباتت تعتمد عليه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي باعتباره المورد الأساسي للإيرادات، وحدث حينها انتعاش في الحياة المعيشية، وظهرت مظاهر النعمة في كل المرافق، بل وحتى الأسر ظهرت عليها مظاهر النعمة.. ولكنه ذهب جله مع النفط!
ولكن الله لم ينس السودان عندما سخَّر له ثروات مافي باطن الأرض، (وكان تحتهما كنز لهما) وظهر فجأة الذهب ليتربَّع على القائمة محتلاً مكان النفط، وظهر التنقيب التقليدي في ولاية نهر النيل، ومن ثم بدأت الشركات على ضوء الذهب وأنشأت وفقاً لذلك الكثير من شركات الذهب.. وأذكر هنا عندما زرنا ولاية نهر النيل باعتبارها أم التنقيب عن الذهب. اندهشت للمربعات المحجوزة والمحروسة بأمن المرافق الإستراتيجية، لتؤكد (هنا يوجد ذهب) واحتفلنا يومها بأكبر سبيكة من الذهب لا يستطيع حملها ذوو القوة.. بعد ذلك ظهر الذهب في الولاية الشمالية وغرب السودان، الأمر الذي يؤكد أن السودان يقع فوق بحيرة من الذهب لتتأكد المقولة إن “محمد علي باشا” عندما جاء للسودان كان من بين الأسباب التي دعته، الذهب.  
بعد هذا المشهد بدأت الدولة تهتم بالذهب وتم إنشاء مصفاة للذهب، بل وبدأت في وضع إيرادات الذهب في الموازنة العامة للدولة، وهكذا تطوَّرت مسيرة الذهب الأصفر ليحتل مكاناً مرموقاً في نفوس الجميع، بعد أن كان يحتل مكاناً مرموقاً في نفوس النساء فقط… فالنساء معروفات بحبهن للذهب، كما أنه يشكِّل مخزناً للقيمة، كالدولار تماماً، تخزِّنه ثم تبيعه وقت الحاجة، وهو بهذا يشكِّل معدناً وفياً (زينة ثم ثروة) (والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة).
فعمارة الذهب بالسوق العربي الخرطوم تعتبر منارة.. فالمتجوِّل بساحتها لا يملك إلا أن يتوقف لينظر في المعدن النفيس الذي يتلألأ من وراء الزجاج ليرى نقوشاً مختلفة تحمل جمالاً، ووراء هذه الأمكنة نجد الصاغة وتجار الذهب الذين عشقوا هذه المهنة وعشقتهم وباتوا يتفننون في اختيار المنقوش الجميل ويحدِّدون للمشتري عندما يستشيرهم بحياد تام.. هذه هي مسيرة الذهب في السودان الذي بدأنا نهتم به ونضعه في حساباتنا ونضع له من السياسات شراءً وتصديراً حتى لا يطاله التهريب.
أقول هذا وفي الخاطر المناشدة التي أطلقتها غرفة الصاغة وتجار الذهب لمحافظ بنك السودان المركزي “حازم عبد القادر” فيما يختص بمنشور السياسات رقم 16 /2017 والذي بموجبه تم تعديل الضمان للذهب المصدَّر بغرض التصنيع والإعادة من شيك ضمان إلى ذهب صافي يعادل الكمية المراد تصديرها، مناشدتهم بُنِيَت على عدم استطاعتهم الوفاء بها نسبة لمحدودية رأس المال والتزامات البعض منهم بعمليات تمويل تمت مع بعض البنوك، ونحسب أن المناشدة واقعية.. وأكثر ما استوقفني في المناشدة :ـ (ونؤكد لكم أننا سوف نقوم بحماية هذا القطاع من أي تخريب، لأن حمايتنا لهذا القطاع هو حماية للاقتصاد الوطني)، فهذه الجزئية تؤكد الوطنية التامة وحبهم للمهنة ومساعيهم الكبيرة للارتقاء بالاقتصاد الوطني إلى أعلى الدرجات.
نتمنى أن تتم إعادة النظر في القرار، خاصة وأن هذه الشريحة ظلت ولفترة طويلة جداً تعمل دون أن نسمع أو نشاهد أنها ارتكبت مخالفة أو لم تلتزم بالضوابط، وقد يشهد الجميع لها بذلك.
فحتى لا يتوقف عملهم الذي هو مصدر رزقهم، وبالتالي يخرج الكثيرون من سوق العمل، وأيضاً خروج الكثير من العمالة التي كانت بمعيتهم.. حتى لا يحدث ذلك وتتشتت الأسر، نتمنى أن تتم إعادة العمل بشيك الضمان مع الوضع في الاعتبار مساهمة هذه الفئة في الاقتصاد القومي وحمايته.
أيضاً، نتمنى الجلوس معهم للتفاكر والتشاور من أجل الوصول إلى حل يرضي الجميع، طالما أننا انتهجنا منهج الشورى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ).. الشورى التي دعانا لها الله سبحانه وتعالى، وهنالك سورة كاملة في القرآن (الشورى) ، فهذه مناشدة أخرى نطرحها عبر هذه المساحة آملين في الاستجابة حتى لا نفقد قطاع حيوي وإستراتيجي ظل وطوال مسيرته يقدِّم عملاً مبني على القيم الفاضلة.
نتمنى ذلك

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية