الحاسة السادسة
استحالة التعايش السلمي!
رشان أوشي
جميعنا نعلم بأن قضية ملكية الأرض في السودان ما زالت محل جدل كبير، رغم أن العالم الأول تجاوز حتى الحدود الجغرافية ناهيك عن ملكيات وحواكير وأرض أجداد وغيرها، ولكننا مازلنا نعتبر أن الأرض جزء من كينونتنا كبشر نعيش في مجموعات ثقافية وإثنية وعرقية، ومازالت الأرض مرتبطة بالعرق والقبيلة، وهي مصدر انتماء لا فصال فيه، وكحال كل السودانيين، يتمسَّك أهلنا النوبيين في أقصى شمال البلاد بأرض “بعانخي” و”ترهاقا”، فبضع نخلات مثمرات يساوين الدنيا وما فيها، ووفقاً للعرف السائد حول ملكية الأراضي لا اعتقد أن هناك من يشكِّك في ملكية النوبة لأرضهم براً وجزراً وغير ذلك، فهؤلاء السمر يقيمون في هذه البقاع ربما من قبل التاريخ نفسه.
مع رغبة الإنسان الفطرية في الاختلاط بالآخرين انتقل للعيش في أرض أهلنا النوبيين مجموعات سكانية من بعض أقاليم السودان، ومعظمهم من العرب الزُرَّاع، لأن تلك المناطق هي أرض للزراعة وحرفة أهلها الفلاحة لا غير، اقتطع هؤلاء الوافدين جزء من أرض النوبة وأقاموا فيها ضيوفاً كرام أعزاء ولم يمتلكوا، لأن لا أحد يبيع أرضه هناك مهما قست الظروف وجارت الدنيا، ولكن في الآونة الأخيرة نشبت صراعات إثنية بين المجموعات الوافدة وأصحاب الأرض، وهو ما حدث في حادثة منطقة “حاج زمار” التي يقطنها الدناقلة وتعتبر من مناطقهم التاريخية، وتطوَّرت الصراعات حتى راح ضحيتها عدد ليس باليسير من شباب المنطقة وأزهقت أرواحهم، وهو أمر غريب ودخيل على أهلنا المسالمين البسطاء.
المتزمِّتون من أهلنا طالبوا بطرد العرب الوافدين من أرضهم، بينما يرى العقلاء تقنين وجودهم، ولكننا نرى أن يجتمع الأهل من “حاج زمار”، مع ضيوفهم في الأرض من المجموعات الإثنية الوافدة، ويعقدوا صلحاً لا تراجع عنه، حتى يتمكَّن الجميع من استعادة تعايشهم السلمي الذي حافظوا عليه عبر عقود.