عقار والحلو وعرمان في واشنطن .. ما وراء الزيارة المفاجئة ..!!
على نحو مفاجئ, وصل قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، مالك عقار وعبد العزيز الحلو وياسر عرمان، إلى مقر المفاوضات الجارية حالياً في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، بعد أن تغيبوا عن بداية الموعد الرسمي, وزادوا من غرابة الأمر حينما رفضوا مصافحة الوفد الحكومي المفاوض أو التقاط الصور التذكارية الباسمة كما جرت العادة, ولكنهم – أي قادة قطاع الشمال – فاجأوا الجميع أكثر بمن فيهم الوساطة الأفريقية نفسها عندما غادروا مقر التفاوض إلى العاصمة الأمريكية واشنطن. ودارت علامات استفهام وتعجب كثيرة حول السفر المفاجئ للوفد الي واشنطن دون سابق إنذار أو ترتيب وتركهم التفاوض الذي كاد أن يصل إلى وقته المحدد بواسطة مجلس الأمن الدولي. وزادت الحيرة أكثر؛ ذلك أن الأمين العام للحركة الشعبية اكتفى بتصريح مقتضب، قال فيه: “نحن ذاهبون إلى واشنطن وتركنا خلفنا مفاوضين ومتى ما رأينا أن هنالك حاجة لعودتنا سنعود”. لكن مصادر متطابقة تحدثت لـ(المجهر) وأكدت أن وفد قطاع الشمال ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل مقابلة المبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان، برنستون ليمان، ومسئولين أمريكيين آخرين يمسكون بملفات تتصل بالسودان وجنوب السودان. واضافت هذه المصادر قائلة: “إن الوفد سيناقش مع برنستون ــ باعتباره الراعي الرسمي لعملية السلام في دارفور ــ سبل إيجاد السلام الدائم في السودان وليس البحث عن مسكنات لا تحل المشكلة بشكل جذري”. وتابعت المصادر قائلة: ” لدى قادة قطاع الشمال مقترحات محددة بشأن الأزمة في المنطقتين (يقصد جنوب كردفان والنيل الأزرق) وتتمثل في ضرورة العودة إلى الاتفاق الموقع بين رئيس الحركة، مالك عقار، ونائب رئيس المؤتمر الوطني، نافع علي نافع في أديس ابابا في أكتوبر الماضي.. ونحن نعرف أن واشنطن تعرف كيف تمارس ضغوطاً على الخرطوم للقبول بهذا الاتفاق الذي هو امتداد لاتفاقية نيفاشا”. وهنالك علاقة أقرب إلى الصداقة تربط بين قيادات الحركة الشعبية – قطاع الشمال ومسئولين في إدارة الرئيس أوباما. ويعول قادة قطاع الشمال على الدعم من هذه القيادات الأمريكية خاصة من نافذين من الكونغرس الأمريكي الذي عقد جلسة اجتماع حول الأوضاع في السودان في وقت سابق من هذا العام وشارك فيها الأمين العام للحركة، ياسر عرمان. ويمكن تفسير زيارة عقار وجماعته إلى واشنطن من خلال رأي أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم بجامعة جورج تاون، البروفسير بيتر هندرسون، عندما قال: “إن إدارة الرئيس أوباما تضع اعتباراً خاصة لقادة الحركة الشعبية لأنهم يمثلون امتداداً لما فعلوه في جنوب السودان, كما أنها تضع اعتباراً لجماعات الضغط التي تقف وراء فكرة السودان الجديد والقائمة على منح الفرصة لقيادات جديدة لتولي دفة الحكم في السودان”. ويوضح هندرسون ــ الذي ينحدر من أصول افريقية وكان داعماً أساسياً لحملة الرئيس أوباما الانتخابية ــ فكرته بقوله: “هنالك علاقات إستراتيجية بين جماعات الضغط السوداء في أمريكا وبعض قادة الثوار من الدول الأفريقية..وهذه العلاقة قائمة على الأيدولجيا المشتركة”. ولخص هندرسون مداخلته من خلال رسالة بعث بها عبر البريد الإلكتروني قائلاً: ” الأمر كله يتعلق بتبادل المنافع.. الثوار في السودان يبحثون عن سند لهم في العاصمة واشنطن.. وجماعات الضغط تبحث لها عن موطئ قدم لها في القضايا السودانية وخاصة تلك المتعلقة بالحقوق المدنية من أجل كسب انتخابي”.
وبدأت واشنطن في لعب الدور الأبرز فيما يتعلق بعملية السلام في السودان، عندما خططت وهندست ورعت اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005 , ومنذ ذلك التأريخ أصبح للإدارة الامريكية دور ملحوظ وفاعل في كل يتعلق بالاتفاقية وما تبعها من انفصال الجنوب عن الشمال , والقضايا التي خلفتها الاتفاقية بين البلدين من ترسيم الحدود والنفط والمواطنة ومنطقة أبيي وحتى علاقة الحكومة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال. وبعثت الإدارة الأمريكية بعدد كبير من المسؤولين وعينت مبعوثين متتاليين, وبدأت بوزير خارجيتها الأسبق، كولن باول, وبعدها بدأت في إرسال مبعوثين إلى الخرطوم, وبشكل ثابت,بدأت بالسيناتور والقس، جون دانفورث، ومروراً بالجنرال المتقاعد، سكوت غرايشون، وآخرهم ليمان الذي تريد قيادات قطاع الشمال أن يقنع الخرطوم بقبول مقترحاتها حول عملية السلام في السودان. ومع ذلك فإن الحكومة ترفض من حيث المبدأ الاعتراف بقطاع الشمال وتعتبره حزباً غير مرغوب ولا يجب أن يمارس نشاطه بعد أن شهدت منطقتا جبال النوبة وجنوب كردفان أحداث عنف أدت إلى مقتل وجرح المئات وتشريد الآلاف من مواطني المنطقتين الذين أصبحوا لاجئين في معسكرات لجوء أنشأتها الأمم المتحدة في كل من جنوب السودان وأثيوبيا. وقال رئيس الوفد الحكومي المفاوض، كمال عبيد، إنهم غير معنيين بمغادرة قيادات قطاع الشمال مقر التفاوض واتجاههم إلى واشنطن. وكرر أحاديث سابقة بعدم رغبة الحكومة في التفاوض مع قيادات حزب لاتعترف به, وأنهم سيناقشون قضايا المنطقتين مع قيادات أخرى يمثلون المنطقة. ولاحقاً أكد القيادي في حزب المؤتمر الوطني والي ولاية جنوب كردفان، أحمد هارون، خلال تصريحات نشرتها صحيفة “الصحافة”، أن الحكومة ليس لديها مشكلة في التفاوض مع قادة قطاع الشمال, وأوضح وجهة نظره بقوله إن التفاوض يجب أن ينصب حول القضايا وليس الأشخاص. وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي، الدكتور صفوت فانوس: “إنه من الأفضل للحكومة أن تتفاوض مع قادة قطاع الشمال طالما وافقت على قرار مجلس الأمن الدولي الذي أصدره حول السودان وجنوب السودان, والذي فيه فقرة تدعو الحكومة صراحة إلى التفاوض مع قطاع الشمال ولأن القرار ملزم ولا يمكن تجزئته”.