ولنا رأي

عندما تسقط الدموع!!

يصبح الإنسان مرهفاً وحسَّاساً كلما تقدَّم به العمر، وتصبح الدموع سهلة السقوط إذا تذكَّر الماضي أو أيام الصبا..أو التقى بأبناء الدفعة الذين غاب عنهم عشرات السنيين، أو التقى عمه أو خاله لم يرهما منذ زمن طويل، فإحساس الإنسان بالماضي يجعله حنين أو أثير إلى ذلك الزمن الذي دائماً نصفه بالزمن الجميل في الفن أو الأدب أو حتى على مستوى التعليم، فالحنين إلى الماضي أصبح سمة من سمات الشعوب ربما المقهورة التي تبحث عن الأمن والأمان، بالأمس، وأنا أشاهد واحدة من الاحتفالية التي خصصت تقريباً إلى ذكرى أكتوبر المجيد كان النشيد عن الملحمة التي جمعت في الغناء الأساتذة “محمد الأمين” و”عثمان مصطفى” و”أم بلينا السنوسي” و”خليل إسماعيل”، كان يوماً مشهوداً، تقريباً، من خلال العرض التلفزيوني الذي بث الحدث، فالنشيد ملئ بالهتافات والقوة التي تحرِّك الوجدان الداخلي للإنسان والمقاطع عندما يردِّدها المغنون “أبو الأمين” أو “خليل” أو “أم بلينة”، تحس وكأن الإنسان في موكب يقودك إلى النصر مثل هذا المقطع:
وفي ليلة وكنا حشود بتصارع
عهد الظلم الشب حواجز
أو مثل:
 وغضب الأمة اتمدد نار
والكل يا وطني حشود ثوار وهزمنا الليل
أو مثل:
 يا أكتوبر نحنا العشنا ليالي زمان في قيود ومظالم وويل وهوان
 وغيرها من الكلمات الجزلة والرنانة والقوية أعاد النشيد للفنانين الذين جاءوا إلى الاحتفالية واسترجعوا الماضي عندما كانت الثورة في جذوتها وكانوا أولئك في ريعان الشباب والأصوات ندية كلما تأتي المقاطع التي كانت تردد الفنانة “أم بلينا السنوسي” ألاحظ الدموع تتساقط من عينيها تبكي بحسرة هل على العمر الذي مضى أم على الحال الذي لم يتوقعوا أن تصل إليه البلاد بعد تلك الثورة كلما مرت الكاميرا على وجهها تتدفق الدموع من مآقيها بكثرة، وكذا الحال على الفنان الرائع “محمد الأمين” الذي أصبحت دموعه أقرب من أي شيء، لاحظت الدموع تتساقط منه بغزارة ولم يتمالك نفسه حينما جاء مقطع يردده الراحل “خليل إسماعيل” فذهب إليه واحتضنه فتدفقت الدموع وكأنه يبكي حاله وحال الوطن الذي كانوا ينتظرون أن تكون تلك الثورة فاتحة لعهد جديد ملؤه التفاؤل والاستقرار لوطن جريح مزقته الخلافات والصراعات. يقال إن دموع الرجال دم ولكن تلك الدموع من “محمد الأمين” و”خليل” وغيرهما ممن عاشوا الزمن الجميل مخلوطة بالفرح والحزن والماضي الذي عاشوه قمحاً وتمني.
إن دموع الفنانين أن كان في هذا المشهد أو غيره هي لحظات لكل إنسان يعيش الحياة بصدق ولا يستطيع أن يتمالك نفسه أو يستطيع أن يحبس دموعه، خاصة عندما يتقدَّم العمر، فلينظر كل إنسان إلى نفسه وهو يتجاوز مرحلة من حياته عاش أحلاها وأجملها وأروعها، فعندما يتذكَّر تلك الأيام يحس بالحنين إليها وإلى الذين كانوا معه، ولذلك نلاحظ الآن كل الكتابات التي تكتب تمجِّد الماضي ليس من الجيل الحالي، ولكن الجيل القديم فهي لحظات يعيشها الإنسان بكل أحاسيسه وبكل تفاصيلها، وإذا سألنا الفنان “محمد الأمين” في تلك اللحظة من الذي أبكاك سيقول لك الماضي الجميل، وكذلك الفنانة “أم بلينا” وحتى الفنانين الذين سقطت دموعهم مثل “السني الضوي” فردة ثنائي العاصمة “إبراهيم أبو دية” الذي عاش معه أحلى الأيام والذكريات، والفنان “كمال ترباس” وغيرهم ممن سقطت دموعهم بعد تلك السن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية