د."إدريس جميل" وزير العدل الجديد في حوار شامل لـ(المجهر السياسي)
فلسفتي “أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام”
لست على عداء مع أي حزب أو جهة وعلاقاتي مرتكزة على المهنية والمواطنة
وزير العدل لم يجرد من صلاحياته والوزارة تحتضن إدارة مهمة
أجرى الحوار في الدوحة : حسن أبوعرفات
في مكتبه ببرج الدوحة بالعاصمة القطرية التقيته وهو يرتب أوراقه استعداداً للعودة للخرطوم، في الأيام القادمة، كان واضحاً وشفافاً، مباشراً في إجاباته، قال لـ(المجهر السياسي) قبولي للتكليف جاء من رؤية واضحة ارتكزت على المهنية للمساهمة في خدمة الوطن، وعلى فلسفة “أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام”، وقدم د.”إدريس جميل” وزير العدل الجديد، مرافعة دفاعية عن سيرته الذاتية الغنية بالخبرات والتي قال إنه أسقطت في العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ربما سهواً أو دون قصد وقال “الوزارة جزء من منظومة عدلية متكاملة للأداء، تشمل القضاء والنيابة العامة والأفرع المختصة بتنفيذ القوانين، وإن الإصلاح يجب أن يشمل كافة هذه القطاعات وليست وزارة العدل وحدها بعد فصل النيابة العامة من الوزارة، وأضاف: لا استطيع القول إن جهة نصحتني بعدم قبول التكليف، لكن بعض الزملاء ناقشوا معي المسألة من باب “الأخوة والصداقة والتناصح” وليس من باب “تقبل أو لا تقبل”، وإن الاختيار تم في إطار مهني بحت مبني على الخبرات والسمعة.
(المجهر) طرحت العديد من التساؤلات والقضايا الشائكة على طاولة وزير العدل الجديد، إلى مضابط الحوار:
} لماذا قبلت بالتكليف رغم أن الكثيرين يرون أن المنصب ملئ بالتحديات والعقبات، خاصة وأنك كنت خارج السودان أكثر من (32) عاماً لم تكن مواكباً لهموم الواقع السوداني القضائي والعدلي؟
-الإجابة على هذا السؤال ترتكز على فلسفة بسيطة ومقولة “أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام”، السودان لا يهم شريحة أو جهة محددة، بل يهم كافة شرائح السودانيين ومن واجبهم المساهمة في بنائه وتطويره ودعمه وتحسين الأداء كل في قطاعه، وعكس صورة إيجابية عنه، وهذا لن يتحقق “بالتنظير”، وإنما الإسهام العملي والفعلي بقدر ما استطيع، وقبولي للتكليف جاء من تلك الرؤية للمساهمة في خدمة الوطن السودان.
}لديك تجارب متنوعة في الخليج حيث عملت في عدة شركات ومؤسسات في السعودية وقطر، هل تعتقد أن طبيعة عملك كاستشاري في هذه المؤسسات يواكب مهام ودور وزير العدل الذي يتطلب ممارسات عملية في سلك القضاء؟
-هناك أحداث بترت في سيرتي الذاتية التي نشرتها الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي تضمنت معلومات غير مكتملة في صدارتها أن جزءاً مهماً من تجربتي الشخصية لم يشر إليه، فعندما تخرجت في جامعة الخرطوم في مايو عام 1983 بمرتبة الشرف في العاشر من سبتمبر، بعد التخرج مباشرة عملت في مكتب مولانا “مجذوب علي حسيب” نائب رئيس القضاء السابق، ومعه الأستاذ المحامي الكبير والضليع “عادل عبد الغني” له الرحمة، وباشرنا القضايا المدنية والجنائية وقانون الشركات وكافة القضايا التي تمتهنها مكاتب المحاماة، هذه التجربة لم يشر إليها مع أحد عمالقة القانون في السودان له الرحمة والمغفرة، وانتقلت بعده إلى مكتب آخر سمعته كبيرة هو مكتب مولانا “توفيق عبد المجيد سليمان” (لورد)، الذي عمل قاضياً للاستئناف وهو خريج جامعة “كاردف” البريطانية، حيث حصل على الماجستير منها وكان نابغة في القانون العام، وكانت تجربتي معه ثرة ومفيدة جداً، حيث كنت مسؤولاً عن عدد من القضايا الجنائية والمدنية والشركات، هذه التجربة سقطت من سيرتي الذاتية خلال عملي في السودان وقبل ذهابي إلى السعودية، وهناك محطة أخرى مهمة امتدت لنحو سبع سنوات سقطت من السيرة الذاتية وهو العمل في المكتب العالمي للمحاماة “كليفورد تشانص “CLIFOD CHANCE، المتعاون مع مكتب “صلاح الحجيلان” بالسعودية، وهو من أشهر مكاتب المحاماة في فترة التسعينيات، وكانت إدارته بريطانية بشراكة سعودية وهو متخصص في كافة أنواع القضايا وله نشاط عالمي وفروع في كافة مدن العالم في أوروبا وروسيا، وكان نشاطه يتركز على القضايا الجنائية والعمالية وتقديم المشورة القانونية ومراجعة صياغة العقود والاتفاقيات والتحكيم الدولي في جنيف وغيرها، وإبداء المشورة في التمويل للمؤسسات المالية والمصرفية، وكان لي دور بارز في تقديم المشورة في التمويل الإسلامي والتي كانت جديدة في تلك الفترة، وهذه التجربة كانت مهمة للانخراط في العمل القانوني، حيث عملت محامياً لفترة تزيد على سبع سنوات في مكاتب عالمية كانت كافية للاضطلاع بمهام الأنشطة القانونية.
ورقة بحثية حول الهوية:
}كيف ترى دور وزارة العدل في المرحلة القادمة في ظل ما يجري من حوار وطني وسياسي عميق وأهم الملفات التي يجب أن تبدأ بها؟
-قرأت بعض الانتقادات بأن وزير العدل الجديد لم تكن له أية مساهمات في الحوار الوطني وهو أمر غير صحيح، فقد كنت ممثلاً للمغتربين في قطر في تقديم ورقة بحثية حول الهوية السودانية ضمن مداولات وحراك الحوار الوطني، أكدت فيها أن الهوية السودانية يجب أن ترتكز على “المواطنة فقط”، وقدمت الورقة ضمن أوراق الحوار الوطني وهو جهد متواضع مني، وأؤكد أنني لم انقطع طوال الفترة الماضية عن السودان خلال وجودي في الخارج، كنت باستمرار أزور الوطن أنا وأسرتي وعلى دراية تامة بما يجري في السودان، إضافة إلى أنني كنت مقرراً للجنة الاستثمار السودانية القطرية لمشروع ضخم سيرى النور قريباً سيستفيد منه السودان وكانت اللجنة تجتمع شهرياً في الخرطوم وتجري لقاءات مع الوزراء المختصين.
منظومة عدلية متكاملة:
.. أعتقد بأن وزارة العدل من الوزارات السيادية المهمة وأن الإصلاح القانوني يبدأ من هذه الوزارة ولا ينتهي بها، بمعنى أن الوزارة جزء من منظومة عدلية متكاملة للأداء تشمل وزارة العدل والقضاء والنيابة العامة والأفرع المختصة بتنفيذ القوانين، والإصلاح يجب أن يشمل كافة هذه القطاعات وليس وزارة العدل وحدها بعد فصل النيابة العامة من الوزارة.
} لكن هناك خلط بين دور وزير العدل والنائب العام؟
-النيابة العامة ستتولى القضايا الجنائية جميعها وتتبقى لدى وزير العدل القضايا المدنية والتجارية، وليس صحيحاً أن وزير العدل جرد من صلاحياته وهذه التجربة معمول بها في العديد من الدول المتقدمة ولم نأتِ بشيء جديد من إجراءات الفصل وتجربة الفصل جيدة تحدد المهام أكثر ويجعل الجميع يركزون في قطاعاته مما يعزز جودة وسرعة الأداء.. وزارة العدل ما تزال تحتضن إدارة مهمة مثل إدارة التشريع وتقديم المقترحات للقوانين في كافة المجالات – إدارة الشؤون المدنية والنصح القانوني – إدارة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه – إدارة العقود – إدارة الاتفاقيات والقانون الدولي – إدارة حقوق الإنسان – إدارة العون القانوني لمن يحتاج إليه – إدارة التدريب وسنوليها اهتماماً خاصاً لتحسين الأداء – إدارة التسجيلات والمسجل التجاري – والملكية الفكرية وغيرها من الإدارات، واعتقد بأن مهام وزير العدل كبيرة وإذا جودنا العمل في هذه الإدارات يكفي.
الملفات الشائكة:
} ماهي أهم القضايا والملفات التي تشغل بال وزير العدل الجديد؟
-السؤال جيد لكنه سابق لأوانه، لا أريد الحديث بغير علم يجب دراسة كافة الملفات العالقة تفصيلياً وتصنيف الأولويات الأعجل ثم العاجل ثم بعدها نضع خطط معالجة هذه القضايا.
} ما هي الملفات العاجلة التي لها الأولوية؟
-التجربة الإنسانية تتطور ولا تنتهي، والقانونية جزء منها لا نستطيع القول إن كل ما مضى سنبني عليه، سنحسن ونطور ونعدل لصالح البلد والمجتمع بما يعزز ويطور العمل القانوني.
} بعض الأصدقاء من المتخوفين نصحوك بعدم قبول التكليف لأن مستحقاته صعبة، ربما يصطدم عملك بتدخلات من هنا وهناك من جهات نافذة سياسية لها مصالح لكنك أصررت على قبول التكليف؟
-أي تجربة جديدة عامة يخشاها الناس، لا استطيع القول إن جهة نصحتني لكن بعض الزملاء ناقشوا المسألة والنظر إلى الموضوع بدقة من باب “الأخوة والصداقة والتناصح”، وليس من باب “تقبل أو لا تقبل”، وأقول الحسابات دوماً ليست مادية في كافة الأحوال، هذا وطن وتم الاختيار في إطار مهني بحت مبني على الخبرات والسمعة.
حسب ما اعتقد دون تدخلات أو الالتفات إلى عناصر أخرى يتم بموجبها الاختيار، وما تردد بأن “فلان” هو من اختارني كلام غير صحيح إطلاقاً وليس له أي سند واقعي، والاختيار تم من جهات قانونية بحتة هي محصت في السيرة الذاتية وسمعت أن القائمة بها عدد كبير من المتنافسين والمترشحين على المنصب.
لا خلفيات سياسية أو قبلية:
} قال بعض الناس إن المعيار السياسي كان له دور في ترجيح كفتك؟
-الخلفية السياسية أو القبلية أو الجهوية لم تكن مطروحة في الاختيار، كانت الأسئلة منصبة على المؤهلات والخبرات والأخلاقيات وطبيعة الشخصية.
} هناك تخوفات من أن وزير العدل الذي يمسك بالعديد من الملفات التشريعية قد يواجه بتدخلات نافذين يؤثرون على القرارات؟
-هذه الكلام مردود عليه، لأن مهنة القانون عموماً التدخل فيها قليل، لأن المهنة لا يعرفها إلا أهلها، وقد ذكرت في مناسبة أخرى أن التجربة العدلية في السودان راسخة وليست وليدة ولدينا الكثير من السوابق القضائية والعدلية والممارسات العدلية نملك فيها ذخيرة كبيرة تكفي للارتكاز عليها، أنا شخصياً أرى أن التدخلات مجالها محدود جداً ولو افترضنا أن هناك تدخلات هل ستكون في صياغة القوانين والاتفاقيات والملكية الفكرية وتسجيلات الشركات، فكلها مسائل مرتبطة بلوائح وأنظمة مهنية، علماً بأن ما نقدمه من مشاريع قوانين ستجاز وتناقش من السلطات التشريعية المختصة.
بؤر الفساد والتعدي على المال:
} الكثيرون يتحدثون عن بؤر الفساد والتعدي على المال العام في قطاعات كثيرة، كيف ترى دور الوزارة في لجم هذه الظواهر المقلقة؟
-التصدي للظواهر المخالفة للقوانين يكون عبر التجويد الصارم في تطبيق القوانين نفسها خلال مرحلتي صياغة القوانين بصورة جيدة ومتوازنة تراعي حقوق المواطن والدولة، إضافة إلى تنفيذ القوانين واللوائح على الأرض خاصة وأن أدوات تنفيذ القوانين لدى جهات أخرى لا سيما بعد فصل النيابة العامة من وزارة العدل، واعتقد أن تلك الجهات حريصة جداً على تطبيق القانون وكل من يخالف القوانين سيكون عرضة للمساءلة سواء أن كانت في وزارة العدل أو غيرها من الجهات، والتصدي للفساد وغيره من التعاملات خارج إطار القانون يحكمه القانون هل تم تطبيقه أم تمت مخالفته.
}ذكرت أن العلاقة بين وزارة العدل والنيابة العامة تكاملية، كيف ترى آليات تفعيل ذلك وضمان عدم حدوث عراقيل في التنفيذ من الجهات الأخرى؟
-أكرر أن المنظومة العدلية منظومة مترابطة ومتكاملة، ولا بد من تنسيق محكم بين كافة أذرع المنظومة العدلية خاصة بين النيابة العامة ووزارة العدل والقضاء.. أنا أتوسم خيراً نجد كافة أنواع الدعم والسند من زملائنا في تلك الأذرع، واعتقد أن نجاحاتهم نجاح لنا جميعاً، وفشلنا فشل لهم أيضاً، لأنها تؤدي عملاً واحداً وهو تجويد الأداء القانوني والعدلي في السودان، يبدأ من التشريع وينتهي عند التنفيذ، وفي هذه المراحل هناك عدة جهات مرتبطة بآليات التنفيذ وأرى أنه بوجود التنسيق الكامل بين تلك الأذرع سنؤدي الرسالة المطلوبة وفقاً للقوانين.
تنمية المهارات والأداء:
}ما هي الآليات التي ستعتمد عليها لضمان تنفيذ مخرجات وقوانين الوزارة المتشابكة مع جهات أخرى ؟
-إحدى الإستراتيجيات التي سنركز عليها في الوزارة تنمية مهارات مستشاري وزارة العدل رغم أن هناك العديد من المستشارين الأكفاء في الوزارة وسنعمل على تطوير أدائهم بالتدريب والتوجيه وتكاملية العمل والجودة بين تلك الإدارات المتخصصة لتدارك أي قصور في العمل العدلي.
} الكثير من الناس يعتقدون أن اختيار الخبرات القانونية في الوزارة يرتكز على حسابات سياسية وليست مهنية؟
-رغم أنني حديث التجربة في الوزارة، لمست في الكادر الوظيفي المهنية العالية ممن قابلتهم من الاستشاريين رغم ضيق الفرصة في لقاء الجميع وجدتهم أشخاصاً يتمتعون بالمهنية و”أنا أتوسم فيهم الخير” ويجب ألا أظن السوء بالناس وأنهم “محسوبين على فلان وفلان”، واعتقد أن أي شخص موجود في الظروف الحالية شخص وطني إلى أن يثبت عكس ذلك، وهناك خبرات ومهارات كبيرة داخل الوزارة يمكنها أن تجد فرص عمل خارج البلاد على سبيل المثال، لكن تذرعهم بالصبر مع المعاناة الموجودة يعكس وطنيتهم وتجردهم، والتعميم بأن” فلان وفلان ” محسوبان على جهات ومصالح غير لائق.
من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل”
}المعايير التي سترتكز عليها في تقييم أداء العاملين بالوزارة؟
-المعايير كانت واضحة جداً في أول لقاء جمعني بالطاقم الإداري للوزارة “من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل “، هذه القاعدة التي سنبني عليها تعاملنا مع الجميع بغض النظر عن خلفياتهم السياسية والمناطقية والعرقية، معاييرنا ستكون التفاني في الأداء والعمل والخبرات، وهذا الكلام مسجل في مضابط الوزارة خلال أول لقاء لي مع العاملين، وأؤكد أنني لن أحيد عن هذه التوجهات.
}أنت تشد الرحال لتسلم مهامك، ما هي الرسالة التي تود توجيهها إلى العاملين والجهات الأخرى المرتبطة بأداء الوزارة؟
-رسالتي إلى الزملاء القانونيين ألا يبخلوا علينا بالنصح المفيد والبناء الذي يسهم في تحسن وتطوير القطاع العدلي دون تحيز ضد الآخرين، وأؤكد هنا أنني لست على عداء مع أي حزب
أو جهة مهما كانت توجهاتها، يهمني بناء وتعزيز علاقاتنا على معايير المهنية والمواطنة، أنا شخصياً أتقبل النصح في الأداء من إخوتي القانونيين المتخصصين بموضوعية بعيداً عن المهاترات و”خير الناس وأحبهم من دلني على عيوبي”،
وحقيقة استغربت على بعض الأحكام المسبقة قبل أن أتولى مسؤولياتي وأقول لبعض المنتقدين يجب أن نرتكز على معايير المنطق، نحن لم نبدأ بعد كيف يكون هناك انتقاد، الأحكام المسبقة ليس لها أي منطق.
}بعض الوزارات أسست لجنة استشارية من المتخصصين لتقديم المشورة والنصح للوزارة المعنية؟
-بلا شك سوف نستفيد من تجارب الآخرين ومن تجربتي في الكثير من القطاعات التي عملت بها، ويمكن تحقيق الأهداف بسبل كثيرة عبر التواصل المستمر بين قطاعات العاملين بالوزارة، أنا حريص على التواصل الشفاف بين الإدارات وقيادات الوزارة، لأن ذلك سيسهم في معالجة الكثير من القضايا في وقتها.
}متى يتوقع ممارسة عملك فعلياً بعد أدائك القسم أمام الرئيس “البشير”؟
-حقيقة بدأت في التسلم الأولي من زميلنا الوزير السابق الذي نزجي له التقدير للجهد الكبير الذي بذله وسوف نستفيد من تجربته وتوصياته، وتسلم المهام فعلياً تم وأنا حالياً في مرحلة تصفية الأعمال الخاصة بي في قطر وترتيب الأسرة والمدارس والأمور الشخصية الأخرى، والجهة التي أعمل فيها (شركة حصاد الغذائية التابعة لجهاز قطر للاستثمار)، وهذه الترتيبات لن تستغرق فترة طويلة.