جولة "البشير" الخليجية.. قراءة في كواليس رحلة لم تخرج للعلن
من الإمارات والسعودية إلى الكويت وقطر
الخرطوم – ميعاد مبارك
وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” وفي خضم حديثه عن موقف الحكومة من تمديد الرفع المؤقت للعقوبات الأمريكية خلال المؤتمر الصحفي الذي انعقد بهذا الصدد (الخميس) قبل الماضي، أعلن عن جولة خليجية لرئيس الجمهورية “عمر حسن أحمد البشير” لدعم المبادرة الكويتية بخصوص الأزمة الخليجية وربما بخصوص العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، وكذلك علاقات البلاد مع الخليج الذي لازالت أزمته تراوح مكانها.
بالفعل حلقت الطائرة الرئاسية (الأحد) الماضي، متوجهة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنها يوم (الثلاثاء) إلى المملكة العربية السعودية لتعود إلى الخرطوم مساء (الخميس)، ليعلن “غندور” في المطار عن زيارة مرتقبة للرئيس هذه المرة إلى الكويت وقطر، فهل تقود الخرطوم مبادرة غير معلنة للتوفيق بين الفرقاء الخليجيين؟ وهل حققت زيارة الرئيس للسعودية والإمارات أهدافها؟، وهل سيحمل معه بعض المفاتيح القادرة على حل الأزمة أو تخفيفها في زيارته للكويت صاحبة مبادرة التوفيق بين الفرقاء وإلى قطر التي لازالت خلف سور المقاطعة؟.
ماذا فعل الرئيس في الإمارات؟
في محطته الأولى التقى الرئيس ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان” وناقش الطرفان حسب ما تم إعلانه العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية والإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى القضايا التي تهم الجانبين وما تم تسميته التدخلات الإقليمية التي تهدف إلى زعزعة أمن المنطقة.
بيد أن الحكومة السودانية تجنبت خلال الزيارة الحديث بصوت عالٍ عن أي مبادرة لها أو محاولة لجمع فرقاء الخليج، في وقت يؤكد المراقبون أن الخرطوم واصلت دعمها للمبادرة الكويتية خلال جولتها الخليجية، مبدين تفاؤلهم بأن تحمل الأيام المقبلة بعض الانفراج فيما يلي الأزمة الخليجية.
في السعودية
(الثلاثاء) الماضي، وصل “البشير” إلى الرياض والتقى نظيره السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز”، وحسب البيان المشترك الذي أصدره وزيرا خارجيتي الخرطوم والرياض (وافق رئيس الجمهورية بناءً على طلب من الملك “سلمان” بالاستمرار في التواصل الإيجابي مع الحكومة والأجهزة الأمريكية من أجل الرفع النهائي للعقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب).
وأعربت الخرطوم عن تقديرها لـمجهودات السعودية لتحسين العلاقات بين الخرطوم وواشنطن.
ومن جانبه أكد “الجبير” أن الرياض تعمل لتحسين علاقات الخرطوم مع واشنطن، ورفع العقوبات المفروضة على السودان، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
الحديث عن موافقة الخرطوم على التعاون الإيجابي مع الولايات المتحدة الأمريكية أثار الكثير من التساؤلات خاصة وأنه عقب إبداء الحكومة اعتراضها على التمديد الأمريكي للرفع المؤقت للعقوبات وتجميد رئيس الجمهورية للجنة التفاوض مع واشنطن، وبدأ الحديث عن فك تجميد لجنة التفاوض مع أمريكا، إلا أن “غندور” عاد وأكد أن ما عنته الخرطوم هو التعاون بين المؤسسات وأن اللجنة لازالت مجمدة.
وأضاف الوزير أن اللجنة المكلفة بالحوار مع واشنطن انتهت بإكمال التباحث بين البلدين، وإلغاء المادة (11 ـ أ، و ب) بواسطة الرئيس “ترمب”، وأن اللقاء الذي جمع الرئيس “البشير” بولي العهد “محمد بن سلمان” أكد من خلاله التواصل الإيجابي بين السودان والولايات المتحدة، مؤكدين على موقف السعودية الداعم للسودان في هذا الملف.
وكشف “غندور” في تصريحات صحفية عقب وصول رئيس الجمهورية للخرطوم من زيارته للسعودية عن اتصال هاتفي مطوَّل تم بينه ونائب وزير الخارجية الأمريكي “توماس شانون”، أكد فيه التزام بلاده برفع العقوبات كلياً عن السودان في الثاني عشر من أكتوبر المقبل حال استمرار التعاون في الملفات الخمسة. وقال “غندور”: إن نائب وزير الخارجية الأمريكي نقل له تطلع “واشنطن” لعلاقات طبيعية مع “الخرطوم”، وتمنى الوزير أن تفي الولايات المتحدة هذه المرة بوعدها برفع العقوبات).
من جانبها رحبت واشنطن بموقف الخرطوم وتأكيدها على استمرار التعاون الإيجابي بين البلدين.
وقال وزير الخارجية، إن لقاء الرئيس مع الملك “سلمان” تناول العلاقات الثنائية بين البلدين والتطور الذي شهدته خلال الفترة الماضية، والتحالف القوي بين (المملكة والسودان) خاصة في اليمن وملف مكافحة الإرهاب.
بعدها جمع “البشير” مع ولي العهد “محمد بن سلمان” لقاء مطوَّل، على حد قول “غندور”، تمت خلاله مناقشة قضايا تفصيلية تشمل (اليمن وسوريا وما يدور في الخليج وعلاقات السودان والمملكة وسبل تقويتها).
وأكد الوزير على الموقف المحايد للخرطوم فيما يلي الأزمة الخليجية، وقال: (السودان يدعم الجهود الخليجية لإنهاء الأزمة الخليجية-الخليجية).
لجنة وزارية مشتركة
وأعلن “غندور” عن اتفاق الخرطوم والرياض على عقد اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين خلال الأسبوع الجاري، وتحديد زمن لاحق للجنة التشاور السياسي بين البلدين.
زيارة الرئيس للمملكة واللجنة الوزارية المرتقبة بين البلدين جاءت في وقت أثيرت فيه الكثير من التساؤلات والحديث عن توتر العلاقات بين الخرطوم والرياض بسبب مشكلة المدير السابق لمكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” والموقف الحيادي للخرطوم تجاه الأزمة الخليجية، رغم نفي الخرطوم المتكرر لتعرضها لضغوط للتخلي عن الحياد.
كلمة”تميم”
ختام الرئيس لزيارته للرياض وأبو ظبي وإعلانه زيارته للكويت وقطر تزامنت مع أول كلمة يلقيها أمير قطر”تميم بن حمد” منذ اندلاع الأزمة الخليجية والتي دعا خلالها إلى حل الخلافات الخليجية، وقال: (حان الوقت لحل الخلافات من خلال المفاوضات)، وأضاف: (إننا منفتحون على الحوار لإيجاد حل للأزمة في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها وألا يتم وضع المطالب في شكل إملاءات من طرف على طرف، بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع).
فهل تلعب الخرطوم دوراً خاصاً في حلحلة الأزمة الخليجية أم أن التزامن مجرد صدفة؟.
يرى الخبير الدبلوماسي السفير “محمد حسن الركابي” أن التزامن بين الحديثين ليس صدفة، وأن جولة الرئيس الخليجية تأتي في إطار الوساطة وحل الانشقاق الذي حدث في الخليج، دعماً للمبادرة الكويتية.
إشارات
ونوَّه “الركابي” إلى أن خطاب تميم حمل الكثير من الإشارات الإيجابية التي توحي بانفراجة قريبة للأزمة.
“الركابي” في تصريح لـ(المجهر) أشار إلى أهمية تماسك مجلس التعاون الخليجي، وإلى دور الخرطوم في محاولة حل الأزمة.
وأبدى الخبير تفاؤله بقرب انفراج الأزمة الخليجية، مشيراً إلى تأثير عدد من الدول من ضمنها السودان في هذا الصدد.
إسرائيل
وأكد “الركابي” أن الانشقاق الخليجي في هذا التوقيت ضار جداً خاصة مع الاضطرابات التي تشهدها المنطقة والأوضاع في اليمن وسوريا والعراق، مشدداً على أن المستفيد الوحيد من هذه الأزمة هو إسرائيل، وأشار إلى وجود معلومات تؤكد محاولة إسرائيل التدخل في الشأن الخليجي.
“الركابي” لفت إلى الدور الذي ظلت تلعبه الخرطوم في حلحلة الأزمات الإقليمية والدولية .
الخبير الدبلوماسي أوضح أن الخرطوم تتعمد عدم الإفصاح فيما يلي دورها ودعمها لجمع الفرقاء الخليجيين، وذلك بسبب إبداء دول الخليج في وقت سابق عدم رغبتها في أن تخرج القضية الخليجية من إطار دول المجلس .
وقطع “الركابي” بأن لا أسباب منطقية للخلاف الخليجي – الخليجي، مشيراً إلى أن السبب وراء الأزمة هو الغيرة والتنافس بين الفرقاء لا غير.