بعد ومسافة
مخاطر تهدد مستقبل السودان!
مصطفى أبو العزائم
مرَّ حديث السيدة وزيرة التربية والتعليم الأستاذة “آسيا محمد عبد الله” أمام البرلمان أواخر الأسبوع الماضي، مرَّ مرور الكرام على الرغم من خطورته، وخطورة المعلومات المفخخة التي تضمنها ذلك الحديث عندما قدمت بيان وزارتها أمام البرلمان، والذي كشفت فيه – ولأول مرة – إن نسبة النجاح من جملة عدد الذين جلسوا لامتحانات مرحلة الأساس لم تتجاوز الـ(8.2%) صدق أو لا تصدق، فقط ثمانية واثنان من عشرة بالمائة، وذلك يعني بلغة الأرقام إن عدد الناجحين والناجحات كان (366.167) فقط ثلاثمائة وستة وستين ألف ومائة وسبعة وستين تلميذاً وتلميذة، من جملة أربعة ملايين وستة وخمسين ألف وسبعمائة وثلاثة وستين تلميذاً وتلميذة، بجميع ولايات السودان.
الأرقام مدهشة ومخيفة في ذات الوقت، وإن صدقت السيدة الوزيرة – ولا أحسب أنها غير ذلك – فإن مستقبل السودان في خطر وإنه لأمر خطير يستوجب التدخل السريع والعاجل من قبل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والبرلمان بمجلسيه، والمجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي، وتدخل من خبراء التربية والتعليم في البلاد أولاً لوقف هذا التدهور ومنع تمدد الفضيحة إلى أعوام قادمة، ثم ثانياً لوضع المعالجات العاجلة بالبحث عن مواطن الخلل، إن كان يتعلق بنقص في الكوادر التعليمية، أو في الكُتب والمعنيات التي تساعد في دفع العملية التعليمية والتربوية إلى الأمام.
تلقيت صباح الأمس، الباكر محادثة هاتفية من أخ كريم وصديق قديم تقلَّد مناصب وزارية عدة أكثر من مرة، وكان متقدماً ومبرِّزاً في دراسته، حتى أنه كان دائماً ضمن الخمسة الأوائل في كل الامتحانات العامة من المرحلة الابتدائية فالمتوسطة والثانوية، وكان من المتفوقين عندما التحق بكلية الهندسة في جامعة الخرطوم، كان منزعجاً ويكاد يفقد هدوءه الذي اشتهر به، وعرف عنه، وسألني إن كنت قد استمعت إلى حديث وزيرة التربية والتعليم الأخير عندما قدمت بيان وزارتها أمام البرلمان، فأجبته بأنني لم استمع إليه نصاً، لكنني تلقيت ملخصاً له، وقد نشرت الصحف الصادرة يوم (الخميس) الماضي الأول من يونيو الجاري، ملامح ذلك البيان المخيف، وتفاصيل محتواه المزعج، وقد ظللت انتظر تكذيباً لذلك البيان، خاصة وأن بعض الأصوات الضعيفة والرخوة ارتفعت هنا وهنا لتشكك في بيان الوزيرة، ومنها أصوات قالت إن الوزيرة (جديدة) أن الأرقام التي تم تقديمها لها كانت على عجل، وحديث خائب لا معنى له، لجهل حديث الوزيرة كأنه لم يكن.
سألني صديقي الدكتور المهندس عما يمكن أن أفعله ويفعله غيري من الصحفيين والكُتاب، وقال لي بلهجة تقطر أسى (أوعى حتكونوا متفرجين بس؟) ثم طالبني ومن خلالي أطالب بقية الزملاء بضرورة التمركز للكشف عن الحقائق من خلال الحوارات المستفيضة والتحقيقات الاستقصائية التي تجعلنا نقف عند أعتاب الحلول.
أخطر ما قال به الصديق الحادب الغاضب، هو أنه ومن خلال تبوؤه لمنصب الوزير أكثر من مرة يعرف أن هناك من يعملون على إعداد تقارير كاذبة للوزراء لتقديمها للمسؤولين أو للرأي العام، هي تقارير زائفة تجمِّل القبيح وتزيِّن المشوَّه، وقال إن هذه واحدة من آفات الخدمة المدنية العامة.
صديقنا هذا نفسه سبق أن أحرز أكثر من (230) درجة بقليل في امتحانات الدخول للمرحلة الثانوية من (260) درجة، وكان من الأوائل، وأجريت معه وآخرين لقاءات في الصحف تقديراً لهم ولتفوقهم المشرف في نتيجة الامتحانات.. والآن يحرز مئات التلاميذ والتلميذات الدرجة الكاملة ويتنافسون على المركز الأول، ويحرز الآلاف أيضاً درجات أقل بقليل من الدرجة الكاملة، في سابقة لم تشهدها ميادين التنافس الأكاديمي في سنوات ازدهار التعليم العام.. ويرجع السبب في هذا، والله أعلم، إلى التنافس غير البريء وغير الشريف بين الولايات في تحقيق أعلى نسبة نجاح.
الآن حان الوقت لأن تكون الامتحانات مركزية وموحدة، وهذا قبل كل شيء، على أن يكون التصحيح ولائياً بفرق مركزية أو مركزياً، خاصة مع التقدم المذهل الذي حدث في شبكات التواصل المعرفي.. ثم بعد ذلك ندعو لمؤتمر عام يبحث مشاكل التعليم العام.
وهذه دعوة عاجلة للتدخل من قبل رئاسة الجمهورية.