بعد ومسافة
مايو.. ذكرى ثورة وذكرى غزو
مصطفى أبو العزائم
اليوم (الخميس) يصادف الذكرى (48) لاستيلاء العقيد أركان حرب “جعفر محمد نميري” للسلطة في السودان مدعوماً من قوى اليسار المحلي ممثلاً في الحزب الشيوعي السوداني والقوميين العرب وقليل من أهل البعث بشقيه العراقي والسوري، بعد انقلاب عسكري سار عليه اسم (ثورة مايو) التي أضاف إليها رئيسها ومفجرها عدة صفحات منها (الظافرة والخالدة والمظفرة أبداً).
بقي نظام مايو على سدة السلطة حتى السادس من أبريل عام 1985م، وزال بعد الإطاحة به من خلال انتفاضة شعبية شاركت فيها تقريباً كل القوى السياسية، بعد أن خسر النظام خلال مراحل تطوره كل حلفائه الأوائل والآخرين، بعد أن انقلب على الإسلاميين الذين جاءوا مصالحين في العام 1977م، ضمن برنامج المصالحة الوطنية الذي تبناه النظام وقتها، وجاء بخصومه ليشاركوا (بعض) المناصب حتى وإن كان ذلك بلا سلطات حقيقية، مثلما حدث مع الشيخ الأستاذ “أحمد عبد الرحمن محمد” الذي قال أكثر من مرة إنه كان وزيراً للداخلية بلا سلطات حقيقية، حتى أنه فوجئ ذات يوم بأجهزة تنصت تم تركيبها داخل مكتبه، تحديداً أسفل منضدة الوزير مباشرة. جاءت مايو ومضت لكنها طوال مسيرة الستة عشر عاماً من الحكم تسلط عليها نظام العقيد الليبي “معمر القذافي” وظل يصدر الأذى لنظام حكم “نميري” ولم يتوقف عن ذلك حتى بعد رحيل النظام، بل استمر في صناعة الأذى وتصديره للسودان حتى نهايات حكمه الذي زال بمقتله على أيدي الثوار..
“خليفة حفتر” الضابط في الجيش العربي الليبي خلال فترة حكم العقيد “القذافي” كان يحلم بأن يكون مثل قائده، وعاش دور العظمة الزائف، وقاد قوات بلاده في حربها على تشاد، لكنه انهزم أشر هزيمة، بل تم أسره، فلعن الحرب والعقيد بعد أن كاد أن يفقد حياته في منطقة أوزو لينتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تلقفته الأيدي المدربة لتعده حتى يصبح زعيماً جديداً لليبيا حال رحيل العقيد “القذافي”، وعاد “حفتر” بعد الثورة يحمل رتبة اللواء ثم رقى نفسه مؤخراً ليحمل رتبة المشير ويقود واحدة من المليشيات العسكرية الكبرى في ليبيا التي يواجه بها مليشيات أخرى لم تقبل به قائداً للجيش الوطني الليبي غير مقاومة مليشيات الثوار الذين هزموا العقيد الراحل وهم أقدر على هزيمة اللواء “حفتر” أيضاً.
على ذات الخطى “القذافي” سار “حفتر” ولم يع الدروس، فاحتضن متمردين على السلطة في السودان ودعمهم وساندهم بالمال والعتاد ليخوضوا معركتهم مع النظام الحاكم في السودان، وزين لهم أمر غزوهم بلادهم، فانصاعوا لذلك تحت ظروف الحاجة وضغوط الداعمين بالمال والسلاح، وهو بذلك يعيد ويكرر تجربة سلفه “القذافي” دون أن يستفيد من الدروس أو العبر ليتحقق من خلاله الأثر (ما أكثر العبر.. وما أقل الاعتبار).
واحدة من التحديات التي ظلت تواجه أنظمة الحكم في بلادنا على مدار الأيام والسنين، هي أطماع الغير في بلادنا، إما لمصالح ذاتية وطموحات شخصية لقيادات غير طبيعية مثلما في حالة العقيد “القذافي” واللواء “حفتر” أو حماية لمصالح خاصة بالدولة صاحبة الأطماع أو سعياً وراء مشروعات توسع سكاني عشوائي يهدف تغيير الطبيعة السكانية في البلاد لصالح عناصر أجنبية، أو تحقيقاً لمصالح دول أجنبية كبرى تمارس ضغوطها على دول جوار مباشر أو إقليمي مثلما هو حادث الآن بالنسبة لدولة جنوب السودان، التي ارتضت القيادة فيها أن تكون مخلب قط للغير، وهي تحلم بحكم السودان كله، بينما هي لا تملك ولا تستطيع أن تحكم دولة جنوب السودان.
نقول لمن تبقى من أهل مايو 1969م، وعلى رأسهم الرائد “أبو القاسم محمد إبراهيم” أمد الله في عمره – ولآخرين كثر، نقول لهم كل عام وأنتم بخير.. ورحم الله المشير “جعفر محمد نميري” الذي خط تاريخياً مختلفاً لبلادنا خلال فترة حكمه، وصمد أمام عاتيات الأطماع الإقليمية والدولية وعاش بيننا فقيراً.. ومات كذلك… لا يملك من حطام هذه الدنيا الفانية إلا السيرة العطرة التي تستوجب أن نترحم عليه ونسأل له الله أن يتقبله القبول الحسن وأن يغفر له ويعفو عنه وأن يجعل مقامه الجنة.