البروفيسور "علي شمو" في حوار عن ذكريات ثورة مايو لـ(المجهر)
“نميري” قال لي أنت طول حياتك بتعمل العايزو ولكن هذه المرة شاورتني وسآمرك
من يتهمون مايو بالدموية يهملون جزءاً من التاريخ وينسون حادثة بيت الضيافة
أول حوار أجريته مع “النميري” في يوم 29مايو بعد أربعة أيام من الانقلاب
ذهبت ثورة مايو التي انقلبت على السلطة الديمقراطية في العام 1969م ولكنها تركت أموراً لا زالت غامضة مثل مذبحة بيت الضيافة التي يدور حولها لغط كبير، ورغم تنكر الضباط الذين نفذوا الانقلاب على اليسار، إلا أن جل أعضاء مجلس الوزراء كانوا من الحزب الشيوعي السوداني، ولكن سرعان ما اختلف الشيوعيون فيما بينهم وسالت دماؤهم في 1971م، ورغم ذلك تميزت مايو بأنها حافظت على الخدمة المدنية وجذبت كفاءات من الشخصيات القومية والبروفيسور “علي محمد شمو” أحد أبرز رموزها الإعلامية الذين كانوا جزءاً من ثورة مايو، وعندما أعلن الانقلاب كان يشغل منصب الوكيل لوزارة الإعلام ومديراً للتلفزيون. وقال إنه وجد مضايقة من الشيوعيين ولكن وقف معه الرئيس “جعفر نميري” ومنحه حرية العمل واستقلال الأجهزة الإعلامية ولم يأمره بشيء إلا خطابه الأخير فأمره بإعادته للمرة الثانية .
حوار – وليد النور
{أين كنت عندما جاءت ثورة مايو؟
-كنت في رحلة خارجية مع اللواء “إبراهيم حسن خليل” وكيل وزارة الإعلام في زيارة خارجية وتحديداً “دمشق”، وثاني يوم قرأنا في الصحف خبر تكوين مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الثورة وأنا كنت الشخص الوحيد الذي فسرت للصحافة اللبنانية أسماء أعضاء مجلس الوزراء.
{وهل عرفت انتماءهم السياسي
-قلت لهم كلهم من الحزب الشيوعي منهم “أحمد سليمان” المحامي و”محجوب عثمان” و”فاروق أبو عيسى” وأنا أعرفهم معرفة شخصية وما كنت أعرف بالضبط من الذي قام بالانقلاب، ولكن كلهم ينتمون للحزب ومن ذلك أخذوا انطباعاً بأن الانقلاب يساري، أنا قلت هذا الكلام في صبيحة يوم 26 مايو.
{وهل يوجد آخرون من غير الشيوعيين
-نعم من الأسماء عمنا “بابكر عوض الله” قلت لهم هذا قومي عربي ناصري أما البقية من الضباط لا أعرف عنهم شيئاً. وطبعاً قطعنا الرحلة ورجعنا يوم 29 مايو.
{ما هو أول عمل قمت به في مايو
-عملت لقاءً مع “نميري” وهي تعتبر أول مقابلة له يوم 29 وكان لقاءً ساخناً جداً سألته سؤالاً واضحاً جداً الناس بقولوا هذه الثورة شيوعية فقال لي هذه ثورة وطنية، هذا الكلام كان له أثر في الرأي العام أول مرة يروا الذي قام بالثورة .. استمرت .. وأنا مسؤول عن جهاز التلفزيون ولكنني كنت من الشخصيات غير المرغوب فيها بل أصبحت واحداً من المنبوذين باعتباري رجعياً وجابوا لي زول كان يدير التلفزيون يسمى “كلميسار” عليه رحمة الله وكان حينها وزير الإعلام “محجوب عثمان” عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وهو صحفي معروف .
{كيف كان تعامله معك
-أنا أحمد لمحجوب عثمان أنه رفض الاستماع إلى ناس الحزب الشيوعي الذين طالبوا بإقالتي ولكنه رفض وقال لهم لا أستطيع إخراجه وهو رجل مهني وماذا أقول له وكان موقفه أخلاقياً . هذا كله يشير إلى أن مايو كانت يسارية وحتى العناصر المدنية.
{طيب لماذا نشبت الخلافات والثورة المضادة لمايو
-حصلت صراعات بعد ذلك ناس “معاوية” و”عبد الخالق” داخل الحزب الشيوعي لكن الاتجاه كله يساري، وظل كذلك حتى بدأ “نميري” يتنرفز واستمرت الخلافات حتى انقلاب “هاشم العطا”، كان هنالك خلاف بين اليساريين . وطلعوا ثلاثة “بابكر النور” و”هاشم العطا” و”فاروق حمد الله” باعتبارهم يساريين، لكن هذا ليس معناه أن اليساريين الآخرين استمروا .. عندما قامت يوليو 1971م كانت عبارة عن ثورة تصحيحية تشمل اليساريين .. بعد “هاشم العطا” بدأت تأخذ اتجاهاً يمينياً وبدأوا يعيدوا حساباتهم مع الناس الحصل ليهم طبعاً الثورة في ذلك الوقت كانت صعبة .. وتطورت حتى أصبحت يمينية.
{ الملاحظ أن كل الأحداث التي قامت من 71 حتى 76 في مايو كلها دموية
-نعم هي ثلاثة أحداث حدث ود نوباوي والجزيرة أبا وفي يوليو ولكن الناس يتحدثون كأن “جعفر نميري” هو الذي قتل ولكن هناك أناس آخرون وكان في استفزاز في الجزيرة أبا والحصل في يوليو هو سيل الدماء من كل الأطراف، وأنا عاوز أقول كلامك كله صحيح وأنت لا يمكن أن تتكلم عن محاكمات وتنسى بيت الضيافة .
{ بيت الضيافة فيه جزء غير مفهوم؟
-أنا كنت مسؤولاً عن الوزارة وفي أشياء الناس لا يعرفونها أنا في فترة “هاشم العطا” كنت وكيل الوزارة و”محمد صالح عبد اللطيف” وكيل أول وهو أكبر مني ولكنه كان خارج البلاد، وأنا الوحيد الكنت موجود وأنا أدرت الوزارة في فترة “هاشم العطا”. وأريد أن أقول الناس البكتبوا التاريخ يجب أن يكونوا أمينين، فأنت لا تأخذ جانباً واحداً من التاريخ وتترك الباقي وهنالك أناس أحياء الآن “عثمان محمد أحمد” يمكن أن تسألوهم الناس كانوا مضروبين بالرصاص ويمكنك رؤية الصالة في قصر الصداقة والبيت المجاور كان مكاتب وكالة السودان للأنباء.
{ ولكن ما يحسب على “النميري” أن الأنصار في الجزيرة أبا لم يكونوا مسلحين؟
-هذه طبعاً أنا لا أستطيع الحديث عنها لأنني لم أرها لكن من موقعي عرفت أن “نميري” كان متردداً، وهؤلاء أهله في الآخر وبعدين الإمام “الهادي” كان رجلاً فاضلاً.
{ بعد كل هذا الذي حصل ولكن مايو استطاعت أن تجذب كوادر مميزة ؟
-نعم لسبب بسيط ما في زول ينتمي لحزب معين ولا قريب “نميري” لا صديقه تأتي بك كفاءتك .. لذلك “نميري” لم يكن يعرفهم ويعرف زمالتهم ولكن كفاءتهم هي التي أتت بهم ..وبعد أن يخرج من مايو لا يذهب إلى حزب بل إلى الشارع.وكانت في حكاية طريفة جداً الناس كان نميري بيعزلهم كان يذهب إليهم في البيوت وكان يهتم بزملائه الضباط ويسأل فلان عمل شنو، وأذكر منهم واحداً عمل مصنع حلاوة نجح جداً وأصبح يشتم “نميري” وأسمع نميري يشكره (و كانت هذه أخلاق الرجال).
{ بوصفك خبير ونائب وكيل ووزير تقييمك لدور الإعلام في فترة مايو؟
-أنا كنت وكيلاً ووزيراً لثلاث مرات وسلطة الإعلام لدي والمسؤول مني رئيس الجمهورية فقط ولا أحد يستطيع التدخل في عملي، وهناك محاولات كثيرة للتدخل ولكنني لم أشعر في يوم من الأيام أن الكلام الذي يقوله الرئيس للجمهور قد يكون مقصوداً به حاجة معينة، وقلت لهم لا تبثوا حاجة للرئيس إلا بعد الرجوع إلي فطبقت هذه الحكاية.
{وهل تركتك حاشية الرئيس
-بعض الناس ذهبوا للنميري وقالوا له مدير الإعلام عمل كذا ورد عليهم وقال أنا الراجل دا جبتوا وزير إعلام وهذا عمله هذا تقديره وهو لم يتطرق معي لهذا الموضوع .. طبعاً هذا لا يأخذ حق الرئيس أن ينتقدني .. وعلاقتي بالصحافة كانت علاقة زمالة واحترام.
{ ماذا حدث قبل نهاية مايو وكيف تعامل الإعلام مع المظاهرات؟
-طبعاً أنا آخر حاجة “نميري كان في اللجنة المركزية وحاجة غريبة أنا كنت سكرتير اللجنة وفي نفس الوقت وزير إعلام وعضو المكتب السياسي، ولكن الرئيس كان لديه أمين عام للاتحاد الاشتراكي وسبعة نواب وكان غريباً أن يختارني أنا لأكون سكرتيراً، فذهبت إليه لأنني كنت قلقاً جداً وقلت له أنت لديك الأمين العام وسبعة نواب فلم يرد علي. عندما انتهت الجلسة الأخيرة ألقى خطاباً صعباً جداً وبعد الخطاب كان قاعد في مكتب أخونا رئيس المجلس الوطني “عز الدين السيد” واللجنة تم تكوينها في المجلس الوطني، فقلت له يا ريس إن الخطاب حار جداً نحن لن نعيده قال لي أنت طول حياتك بتعمل الانت عاوز تعملوا لكن الليلة سألتني أنا آمرك أنك تعيد الخطاب.
{ بعد الانتفاضة مافي زول سألك؟
-سألوني وودونا كوبر
{ وبعد الخروج من كوبر
-بعد نهاية مايو خرجت من السجن ولم أمارس أي عمل سياسي ولم أعد إلا عندما جاءت الإنقاذ وأنا عندما خرجت من مايو، قررت أن هذه الفترة انتهت بخيرها وشرها وكفاية ولم أقصد إطلاقاً أرجع تاني وكان توجهي أن أكون أكاديمياً، وهذه صفحة انتهت لكن عندما قامت الإنقاذ عرضوا علي أن أكون وزيراً وأنا اعتبرته نوعاً من الإسهام في العمل الوطني والزول ما يتخلف.