تحقيقات

تحديد سقف بيع الرصيد .. ما بين المبررات الاقتصادية والآثار الاجتماعية!!

الممتهنون يصرخون والطلاب يرفضون
هيئة علماء السودان: تحويل الرصيد مجرد ثمن للخدمة ولا شبهة ربا فيه
“كبج”: حديث أن الخدمة تضر بالاقتصاد وتساعد في عمليات الإرهاب كلام في “الهوا”
تحقيق ـ هبة محمود
 لم تلقَ تصريحات وزارة الاتصالات حول مقترح تحديد مبلغ (500) جنيه كحد أقصى لتحويل الرصيد خلال اليوم الواحد، وقعها في نفوس أصحاب المهنة والقابضين على جمرها. فالمهنة بالرغم من عائدها القليل إلا أنها تكفيهم سؤال الآخرين إلحافاً، وقد  نادى أصحابها من الذين استطلعتهم (المجهر) بضرورة مراجعة القرار الذي وصفوه بالجائر في حقهم، سيما أن ذات القيمة التي تتحصلها البنوك نظير الخدمة (10%) هي نفسها المتحصلة من قبلهم، فضلاً عن تقديمهم الخدمة في أي مكان وزمان بخلاف البنك الذي تتم الخدمة فيه عبر إجراءات طويلة ومعقدة بحد وصفهم.
وتأتي خطوة التقنين وفقاً لتصريحات سابقة لبنك السودان في تأثيرها على خفض ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ، ﻭإزالة ﺍﻟﺘﺸﻮﻫﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﺪﺛﺘﻬﺎ ﺧﺪﻣﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺮﺻﻴﺪ ﺑﺎﻻﻗﺘﺼﺎﺩ، ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻟﺤﺠﻢ ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﻮﻥ ﺑﻨﺤﻮ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺩﻭﻻﺭ، ليبقى السؤال حول مدى صب ﺍلإستراتيجية  ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﻭﺍﻻﺳﺘﺜﻤﺎﺭ ﺑﻔﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﺳﺘﺜﻤﺎﺭ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺮﺻﻴﺪ ﻭﺗﺸﻐﻴﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ بحسب تأكيدات البنك المركزي؟ وما مصير باعة الرصيد وطلبة الجامعات من تلاشي هذه الخدمة؟
قطع أرزاق
 عبر لجنة ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ تم الإعلان عنها ﺑﻴﻦ ﺒﻨﻚ السودان المركزي ﻭﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻻﺗﺼﺎﻻﺕ، سيتم تفعيل ﺨﻄﻮﺓ ﻭﺿﻊ ﺳﻘﻒ ﻟﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺮﺻﻴﺪ وهو مبلغ الـ(500)، ﻭﺻﻮﻻً ﻟﺘﻼﺷﻲ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﻭﺇﺣﻼﻝ ﺧﺪﻣﺔ “ﺑﻨﻜﻚ ” ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻓﻊ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻤﻮﺑﺎﻳﻞ في يونيو المقبل، وهو الأمر الذي يصفه “محمد الهادي” (بائع رصيد)  بالجائر مؤكداً لـ(المجهر) أن هذه المهنة تعتبر مصدر رزق للكثيرين ممن أعياهم البحث عن وظيفة تؤمن لهم دخلاً ثابتاً وتكفيهم السؤال، وقال: خدمة تحويل الرصيد سهلت التحويلات المادية للكثيرين خاصة الطلبة، ولا أدري لماذا تتجه الدولة إلى هذا الاتجاه، وزاد: كيف يتم تحديد مبلغ (500) جنيه كحد أقصى لتحويل الرصيد، وأنا في أحيان كثيرة بكون شايل مبلغ  (5) آلاف جنيه، أوديها وين يعني وأطلع مصاريفي من وين؟
بالمقابل يؤكد “جمال الدين عثمان عيسى” (بائع رصيد)، لـ(المجهر) أن مبررات رفضه للقرار تنحصر في أنها عملية (قطع أرزاق) وقال:  هناك إقبال على المهنة في ظل الضيق المعيشي الذي تشهده البلاد وهي (بتمشي الحال) فضلاً عن أنها كخدمة تسهل للطلبة عمليات تحويل مصروفاتهم اليومية ورسومهم الدراسية من قبل أسرهم، أما أن يكون التحويل عن طريق البنوك وإجراءات، فباعتقادي أنها عملية تعجيزية ليس إلا، وزاد: عندما تحدد الدولة مبلغ (500) جنيه كأقصى حد للتحويل معناها نحن خسرانين بكل المقاييس وقاعدين بالمجان، لأن أجري نظير الخدمة سيكون حينها مبلغ (30) جنيهاً فقط تتضمن المواصلات والمأكل والمشرب وبعد ذلك مطالبين بالتخفي من ناس الكشة.
 ويوافقه الرأي زميل مهنته “دفع الله محمد” الذي استنكر دعم الدولة للبنوك بحد تعبيره على حساب المواطنين بعد أن أصبحت هذه المهنة (تفك) حيرتهم إلى أبعد حد، وقال: عندما أقوم بشراء رصيد بمبلغ ألفين جنيه مثلاً فإن عائدي الربحي يكون حوالي 200 جنيه في اليوم وهو مبلغ يسد رمق أسرتي ويفيدني جداً، وأضاف: نحن نعاني للمدى البعيد ويكفينا هجير الشمس الذي نستظل تحتها ومحاولاتنا البائسة في الهروب من الكشة فهل تستكثر علينا الدولة مبلغاً مثل هذا.  
رفض وسط الطلاب
داخل أوساط الشباب تتعمق فكرة رفض  القرار وتتضامن إلى حد كبير مع أصحاب مهنة بيع الرصيد الذين سهلوا لهم تحويلاتهم المادية كيفما اتفق لهم، حتى بدأت كل من الفكرة والقرار جائرين بحد تعبيرهم، وبعضهم طفق يشرح لـ(المجهر) الكيفية التي جعلت بعض الطلبة داخل الجامعة (باعة رصيد) بعد ارتضائهم لها كمهنة لا تتعارض ودراستهم الجامعية بل على العكس تشكل لهم مصدر دخل. ويرى الطالب “المهدي عبد البارئ” جامعة أم درمان الإسلامية أن الأمر بحاجة لمراجعة من قبل الدولة وقال: هناك فرق بين الخدمة التي تقدم لك (ساهلة) وبين الخدمة التي يعاني طالبها الأمرين، وعملية تحويل الرصيد بواسطة البنك (صعبة) وتتطلب مني كطالب إلغاء محاضراتي والذهاب للبنك والانتظار في سبيلها ودفع قيمة المواصلات بجانب نسبة الـ(10%) التي يأخذها البنك، في الذي كان يمكنني فيه توفير الجهد والوقت والمال وعن طريق الهاتف فقط يتم تحويل المبلغ الذي أريده.
من جانبها ترى “فاطمة صلاح” جامعة النيلين أنه من الصعوبة بمكان لهم كطلبة ترك محاضراتهم والذهاب للبنوك بين الحين والآخر لإحضار مبلغ 200 جنيه أو 300 جنيه وغيره، في الوقت الذي يمكنها فيه الحصول على أي مبلغ أرادت دون مشقة ودون نسبة (10%)، لأن والدها بحد تعبيرها لـ(المجهر) يضع في حساباته تلك النسبة حتى يصلها المبلغ كاملاً دون نقص، وطالبت أجهزة الدولة بمراجعة القرار لأن عملية التحويل فضلاً عن أنها تسهل لهم كطلبة التحويلات المالية فهي أيضاً تعمل على إعاشة الكثير من الأسر.  
شبهة ربا
في أعقاب ردود الأفعال الواسعة التي أثارتها خطوة إيقاف خدمة تحويل الرصيد وتقنينها عبر البنوك من قبل شريحة مستخدمي الخدمة كنشاط تجاري، وكذا الطلاب الذين يعتمدون عليها في مصروفاتهم الجامعية سيما القادمين من مختلف ولايات السودان، فقد ألمح فيه “مصطفى عبد الحفيظ،” مدير الإدارة العامة لخدمات الاتصال بالهيئة لوجود شبهة ربا في عمليات تسييل الرصيد، الأمر الذي دعا هيئة علماء السودان لنفي تلك الشبهات، لافتة إلى أنها عمليات تتم نظير خدمات. واعتبر الأمين العام للهيئة بروفيسور “محمد عثمان صالح” أن تحويل الرصيد مجرد ثمن لخدمة تقدم وقال لـ (المجهر): ما يتم خصمه في تحويل الرصيد ليس سوى ثمن نظير خدمة تقدم من قبل الشخص المحول طالما أن الأمر يصب في مصلحة عمله، بخلاف الربا الذي يتم تعريفه على أنه كل سلف جر منفعة، وزاد: القرار الذي اتخذته الهيئة القومية للاتصالات بشأن تحديد مبلغ (500) جنيه كحد أقصى لتحويل الرصيد، قرار يصب في مصلحة الدولة ويقي من جرائم عديدة تمس باقتصاد البلاد، وهناك وسائل أخرى كالبنوك على المواطنين اللجوء إليها.
كلام في الهوا
ويدافع بنك السودان المركزي عن خطوة إيقاف الخدمة المتعامل بها بين مستخدمي الهواتف وتقنينها عبر البنوك، معتبراً أن الأمر من شأنه أن يخفض من عملية  طباعة العملة ويزيل التشوهات التي أحدثتها الخدمة في الاقتصاد، وقال المسؤول ببنك السودان المركزي “زاهر فقيري” خلال مخاطبته منتدى مستقبل تحويل الرصيد في ظل التقنية المصرفية الحديثة”، إن الخدمة على الرغم من أنها خدمة فئات مختلفة من المجتمع السوداني إلا أنها لا تخضع لآي ضوابط باعتبارها عملية مبتكرة من قبل المتعاملين مع الرصيد. وأوضح أن الكتلة النقدية من خدمة التحويل تخلق اقتصاداً مريضاً، وهي تعد بمثابة (دم فاسد) لا يتأتى ضخه في الشريان، مشيراً إلى تكوين لجنة مشتركة بين البنك ووزارة الاتصالات لوضع سقوفات لعملية التحويل وصولاً لتلاشيها وإحلال خدمة بنكك.
إلى ذلك يرى الخبير الاقتصادي “محمد إبراهيم كبج”  أن القرار جاء دون مراعاة ظروف السودان والعطالة الموجودة بين الشباب الذين أتاحت وخلقت لهم عملية تحويل الرصيد فرص عمل، داعياً بنك السودان بضرورة النظر في القرار والعمل على تقنينها بدلاً من إيقافها لأنها تمثل ضرراً كبيراً للشباب. وقال لـ(المجهر): الحديث عن أن الخدمة تضر بالاقتصاد وتساعد في عمليات الإرهاب كلام في “الهوا”، لأن إيقاف العملية سيدعو الشباب المتضرر من إيقافها إلى ممارسة الإرهاب ورفع الظلم الواقع عليه، وزاد: القصد من العملية كلها حصر المسألة في البنوك عبر خدمة بنكك ليس إلا، وبمرور الزمن تصبح الخدمة مجاناً كما يروج لها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية