عابر سبيل
مدارس وتلاميذ في عنق الزجاجة!!
ابراهيم و دقش
في أوائل الستينيات وعهد الفريق “عبود” على سدّة الحكم يعلن اللواء “طلعت فريد” وزير التربية والتعليم عن ثورة تعليمية، وكان إلى جانبه تربويان عملاقان “هاشم ضيف الله” مدير مكتب الوزير الفني و”محمد سعيد معروف” سكرتيره الصحافي، وواجهه الرجلان بأن تلك الثورة التعليمية ناقصة لعدم وجود فصول في المدارس وعدم وجود معلمين مدربين يسدون الحاجة، فرد بتصريح ناري بأن الثورة التعليمية لا تحتاج لفصول من الحجر أو الطوب فالرواكيب والكرانك تكفي، وإن لم تفِ ففي ظلال الأشجار فسحة، وتم تقليص فترة كلية تدريب المعلمين ببخت الرضا من عامين إلى عام واحد… عندها (حدفني) عم “طلعت” في أبو حجار في أطراف النيل الأزرق وعيناي معلقة بمكتب النشر، وأول ما قامت ثورة 21 أكتوبر 1964 عدت فسألني مدير التعليم الأوسط المرحوم “دهب عبد الجابر” لم عدت ومن إذن لك بذلك فقلت له: “طلعت فريد” نقلني إلى أبو حجار، أما وقد ذهب هو فقد عدت أنا…
وفي منتصف الستينيات، والديمقراطية الثانية في عز مجدها كان “يحيى الفضلي” – ألف رحمة عليه – وزير التربية والتعليم والبروفيسور “مندور المهدي” وكيل الوزارة، وكانت (الموضة) نقل التلاميذ من مدارس أهلية إلى حكومية باعتبار أن الأخيرة مستواها عال، ووصل الحال بتلك “الظاهرة” أن الوزير هو صاحب القرار فيها وكان يصدر خطابات بذلك المعنى عبر مدير مكتبه الأستاذ “توفيق اسحق” – أمد الله في عمره – لكني لاحظت أن المهمة تحولت لي فجأة وعرفت أن “توفيق” نصح الوزير بالتقليل من تلك التحويلات لأنها ستؤدي إلى إغلاق المدارس الأهلية أبوابها، واعتبر الوزير تلك النصيحة (تدخلاً) من مدير مكتبه غير ملزمة له.. وعانيت من أعضاء الجمعية التأسيسية الذين كان كل واحد فيهم يأتي بقائمة من الأسماء لتحويلهم من أهلي إلى حكومي، فيأمرني الوزير بالتنفيذ أمامهم وعندما يخرجون يطلب مني أن (أتصرف) بمعنى أن الذي لديه قائمة بستة أعطيه ثلاثة منها وما أن يستلم الواحد منهم خطابات التحويل ناقصة حتى يهتاج ويعود للوزير الذي يطلبني وبطريقة غاضبة يتوعدني: “أنتم بتوع الخدمة المدنية بتفتكروا إيه؟.. وفي آخر النهار يعتذر لي الوزير: معليش يا أبو خليل اتحملوني شوية فالضغوط علي كثيرة!!
تذكرت كل ذلك بمناسبة نتائج امتحانات الأساس التي سجلت فيها بعض المدارس الخاصة (أهلية يعني) تفوقاً ملحوظاً على المدارس الحكومية أي أن الآية قد انقلبت.. والتحويل من حكومي إلى أهلي لا يحتاج إلى قرار من الوزير وإنما من ولي الأمر الذي عليه أن يتحسس جيبه قبلاً..
هل سمع وزير التربية بولاية الخرطوم عن رياض أطفال في عاصمة ولايته مصاريفها أربعة آلاف جنيه مع إقامة حفلات تخريج تكلف “الشيء الفلاني” ومن لا يدفع لا يستلم شهادة تخريج..
فهل ذلك الطفل تخرج في جامعة هارفارد أم السوربون أم أكسفورد؟ صدقوني – تلك هي الفوضى غير الخلاقة!!