الانقلاب السلس على الإسلاميين في الإنقاذ..!
بقلم – عادل عبده
الدكتور “الترابي” أطلق عبارة مشهورة في السنوات الأولى للإنقاذ عن الأستاذ “عبد الباسط سبدرات” قائلاً: (هذا الرجل جئنا به ممثلاً يريد أن يكون مخرجاً!)، فهل انقلبت الآية في ميادين السياسة الزئبقية فأصبح تلاميذ “الترابي” الذين فجروا الإنقاذ في يونيو 89 مثل “سبدرات” وهم على أعتاب حكومة الوفاق الوطني المرتقبة؟؟ من يأمن الحكم في تقلباته فهو يحاول إحصاء النجوم، ومن يضمن السلطة في جذرها ومدها فهو يتمنى سحر الحياة في العتمور.
الإنقاذ النسخة الأولى كان أبطالها النخبة الإسلامية المدنية، وكانوا يعبرون عن مذهبية الحكم المبنية على محاولة تجسيد المشروع الحضاري والرهان على الدولة الدينية، ولم يكن العسكر المشاركون في السلطة نافذين في تسيير شؤون الدولة يومذاك.
الكثيرون يقولون إن الرئيس “البشير” قد بدأ يفكر في الحد من سطوة الإسلاميين المدنيين في السلطة بعد فترة طويلة من الحكم انبثقت خلالها ملامح الإخفاقات في التوجهات والرهان على التغيير وهواجس الصولجان، وقد لاحت إرهاصات تقليص نفوذ هؤلاء الإخوان الكبار عندما تباروا جميعاً في تقديم “البشير” كقائد لا بديل له في الانتخابات الرئاسية عام 2015، وقالوا إنه يصنع المبادرة والفكرة والتطبيق العملي في المؤتمر الوطني.. جاءت بعد ذلك القرارات الرئاسية العاتية بإعفاء الرموز الإسلامية الكبيرة من السلطة التنفيذية، فقد خرج “علي عثمان” والدكتور “نافع” و”المتعافي” و”الجاز” و”كمال عبد اللطيف” و”أسامة عبد الله”، وقد كانت خطوة مفصلية فاقت التصورات حملت فلسفة تجديد الدماء ومواءمة العصرية.
لم يفت على الشارع السوداني وجود المعركة المكتومة بين العسكر والإسلاميين في مركب الإنقاذ، لكنها كانت منازلة خافتة بلا عواصف ولا فوران، فقد كانت كفة “البشير” هي الراجحة، فالمؤتمر الوطني تتحرك عجلاته لقدرة الرئيس باعتراف عضويته في وضح النهار.. جاء اختيار الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” في منصب رئيس الوزراء بعناية فائقة وتصور مدروس ورسالة ذات معنى، ولم يكن القرار مفاجئاً ولا غريباً، فالواضح أن وجود “بكري” على رئاسة الوزراء يعني الانقلاب السلس على الإسلاميين في السلطة، لكنه انقلاب الأناقة والتآخي في المركب الواحد، فهؤلاء القيادات الإخوانية أعطوا زمام الأمر للرئيس “البشير” الذي نجح في تدجين طموحات النخبة الإسلامية في الرئاسة من خلال سيناريو محكم.
لم تكن قيادات الإسلاميين على قلب رجل واحد فقد انشغلوا بالصراعات مع بعضهم البعض، ولم يبادروا بالمراجعات والتقييم الدقيق كقوة واحدة لكن بعضهم سارع بإطلاق التصورات عن التحديث والإصلاحات على تجربة الحكم.. وبالمقابل كسب “البشير” من يريد التعاون معه وترك دولاب الدولة تديره المجموعات الإسلامية في الصف الثاني حتى لا ينقطع الخيط.
الرئيس “البشير” قبيل منح “بكري” رئاسة الوزراء انفتح بقوة على الخليج والسعودية، وتحصل على تكليف إعداد التشكيل الوزاري لحكومة الوفاق الوطني وغازل أمريكا والغرب بروح جديدة وربما تكون تلك المعطيات قد خرجت من ثنايا فكرة الانقلاب السلس على الإسلاميين، وفي اتجاه موازٍ ذكر “البشير” بالصوت العالي: (لولا كسبنا ثقة المخابرات الأمريكية لحدث الغزو للسودان مثل العراق وأفغانستان).