حظر أكياس البلاستيك.. صعوبات في التنفيذ وإيجاد البدائل
عقب انقضاء المدة الزمنية المحددة لاستعمالها
وكيل وزارة البيئة : يجب الرجوع لاستعمال (القفة) وأكياس الورق
المواطنون يمتنعون.. وخبير يؤكد عدم وجود قانون يمنع استخدام الأكياس
تحقيق ـ هبة محمود
على الرغم من انقضاء المهلة الزمنية المحددة لاستخدام الأكياس البلاستيكية داخل ولاية الخرطوم والمقرر لها الثلاثين من يناير الماضي، وفقاً لقرار المجلس الأعلى للبيئة القاضي بذلك، إلا أن المشهد لم يزل على ما هو عليه، سيما أن غالبية المحال التجارية بمختلف تصنيفاتها لا تزال تمارس تعاملات البيع والشراء باستعمال هذه الأكياس، خاصة المواد الغذائية الساخنة التي اعتاد المواطنين على حملها بها، مثل (الفول) و(اللبن) وخلافه.
خطوة الحظر وإن جاءت متأخرة بعض الشيء بحسب خبراء البيئة والتغذية عقب التقاط ولايتَيْ القضارف والجزيرة قفاز مبادرة حظر الاستخدام منذ وقت مبكر، إلا أن البدائل وفقاً للمواطنين وكذا أصحاب المحال التجارية تفتقر لوجود بدائل تغني عن حمل الأكياس، حيث أكد غالبيتهم ضرورة توفير البدائل ومن ثم الإفصاح عن القرار، في ظل عصر تسيُّد الأكياس البلاستيكية المشهد بصورة لافتة أغنت الأغلبية عن استخدام مواعين حمل خاصة، وسهَّلت عليهم عملية الشراء التي تجعل الفرد يخرج خاوي الوفاض ليعود محملاً بعشرات الأكياس. ليبقى السؤال حول التزام المواطنين بقرار الحظر؟.
ردود فعل
ردود فعل واسعة أثارها قرار حظر استخدام أكياس البلاستيك، خاصة من قبل أصحاب المصانع وأهل المهنة، فقد عد كثير منهم الأمر استهدافاً لصناعة البلاستيك داخل ولاية الخرطوم، وتشريد العاملين بها دون دراسة ورؤية من قبل سلطات الولاية، في أعقاب إيقافهم لـ (46) مصنعاً، عشوائياً، لأكياس البلاستيك من جملة (126) مصنعاً، بينما اتجه آخرون إلى اتهام المجلس الأعلى للبيئة بعجزه وتقصيره عن دوره في نظافة ولاية الخرطوم، مما حدا به محاربة الأكياس البلاستيكية التي تتسبب في تشويه مظهر الولاية الحضاري بذريعة الحفاظ على صحة الإنسان من الأمراض التي تسببها أكياس النايلون، وفي هذا السياق، فقد نفى ” د. التجاني الأصم ” الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة في حديثه لـ(المجهر) حظرهم لاستعمال أكياس البلاستيك، مؤكداً على تحديدهم معايير ومواصفات محددة تضمن سلامة الإنسان والبيئة. وقد أعلن اللواء “عمر نمر” في وقت سابق عن إلزامهم المصانع بزيادة سُمك الأكياس إلى (70) سنتمتراً، بدلاً من (15) سنتمتراً.
بالرغم من تشريعية القرار الخاص بولاية الخرطوم، إلا أن وكيل وزارة البيئة الاتحادية “د. عمر مصطفى” شدد في حديثه لـ(المجهر) على ضرورة منع استخدام أكياس البلاستيك لما تسببه من أضرار بالبيئة والحيوان والنبات، لافتاً إلى أنها ـ أي الأكياس ـ تقوم بحجب عملية التمثيل الضوئي الغذائي، فيما يتعلق بالنبات، مؤكداً على وضعهم شروط محددة لصناعة الأكياس وإنتاج ما يسمى بـ(كيس صديق البيئة) وقال: يجب على الناس الرجوع لاستعمال (القفة) وأكياس الورق بدلاً عن استعمال هذه الأكياس التي تسبب أمراض مسرطنة نسبة لتسرب غاز “الدايكسون” منها والذي يؤثر على كل ما هو محمول بداخلها.
رحلة بحث عن بدائل
تباينات عدة في آراء المواطنين رصدتها (المجهر) عبر جولة استطلاعية حول تنفيذ قرار الحظر، وإن جاءت غالبيتها مؤيدة لقرار منع الاستخدام، إلا أن البعض وصف القرار بغير المدروس في ظل عدم وجود بدائل بحد اعتبارهم، فقد أشارت الحاجة “وهيبة محمد” (ربة منزل) لـ (المجهر) إلى استسهالها عملية الشراء من خلال استعمال الأكياس التي وصفتها بالعملية، لافتة إلى أن الخطوة غير مدروسة وبحاجة إلى إعادة نظر. أما “نصر الدين على” (موظف) فقد وصف الخطوة بالمتأخرة في ظل الأمراض المنتشرة بين المواطنين والاستعمال السيئ للأكياس وحمل الأطعمة الساخنة عليها، فضلاً عن مساهمتها الكبيرة في اتساخ شوارع العاصمة.
“خالد فضل” (تاجر) أبدى استعداده التام لوقف البيع باستخدام الأكياس البلاستيكية في حال توفير بدائل تمكنه من ممارسة عمله، مشيراً إلى أنه يضطر لتعبئة الفول أو الحليب الساخن داخل أكياس حتى تستمر عملية البيع، طالما أن ذلك يحدث تحت ناظر الزبون. وفيما يعتبر “خالد” الأمر كذلك، فقد عدت “نشوة الطاهر” (موظفة)، الخطوة بالمجحفة في حق أصحاب المصانع وإيقاف عملهم وتشريد العاملين، منوِّهة إلى أنه لا استغناء عن الأكياس واعتبرت الأمر بحاجة إلى توعية وتقويم سلوك للمواطنين أكثر من كونه حظر، وقالت لـ(المجهر): يجب توعية المواطنين بمخاطر حمل الأغذية والمشروبات الساخنة داخل الأكياس وتنويرهم بدلاً عن (قطع عيش) آخرين.
إلى ذلك أكد “محمد علي” (صاحب بقالة) لـ (المجهر) على عدم التزام المواطنين بقرار منع الاستخدام، لافتاً إلى أن كثيراً منهم يقوم بطلب تعبئة الفول داخل كيس وكذلك صب الحليب.
مخاطر نحملها إلى المنازل
من جانبه أكد بروفيسور “عبد الحليم رحمة” خبير الأغذية بجامعة (الأحفاد) لـ (المجهر) أن الأكياس البلاستيكية عبارة عن (بولمرات) مخلفات بترولية غير صالحة لاستخدام الأطعمة خاصة الساخنة منها التي من الممكن أن تؤدي لتقطيعها ودخولها إلى الأمعاء. وقال: الكثيرون يعتقدون أن الأغذية أو الأطعمة الساخنة من شأنها أن تذيب أكياس البلاستيك حال حملها عليها، دون علم منهم أن هذه الأكياس لا تذوب أو تتحلل بطريقة سهلة حتى ولو كانت داخل باطن الأرض، سيما أنها بحاجة لما يقارب الـ (400) عام، حتى تتحلل، مما تترك أثراً سالباً على التربة. وزاد: هذه الأكياس وغيرها من المنتجات الأخرى البلاستيكية يتم صناعتها من مواد بلاستيكية تسمى اصطلاحاً (مخاطر طبيعية) ويمنع وضع الأطعمة عليها، واستطرد: حتى زجاجات المشروبات الغازية البلاستيكية (الموبايل) ضارة بالصحة ومسببة للأمراض.
ونبَّه محدثي إلى منع حرق الأكياس تماماً نسبة لما تفرزه من غاز “الدايكسون” المسرطن الناتج عن حرقها، مشيراً إلى الكثير من الممارسات السالبة من قبل البعض بقيامهم بحرق الأكياس البلاستيكية لإشعال النيران. وقال: القانون لا يستطيع حظر استخدام الأكياس، حيث أن أكثر من (90%) من الشركات يضعون علامتهم التجارية عليها، ولكن أنبِّه الناس لضرورة استخدامها في الغرض المصنوعة من أجله.
تجارب سابقة
محلياً فقد كان لولاية القضارف السبق في حظر استخدام أكياس البلاستيك في مطلع الألفية الثالثة بعد أن أصدر واليها الأسبق بروفيسور “الأمين دفع الله”، قراراً يقضي بذلك لتحقق التجربة نجاحاً كبيراً بعد أن وجد القرار ترحيباً من مواطني الولاية، وكذا ولاية الجزيرة.
وبحسب المصادر فقد اتخذت بعض البلدان إجراءات حاسمة ضد أكياس البلاستيك. فمنعت بنغلاديش وتايوان وأوغندا وجنوب أفريقيا، ومعظم المدن الهندية الكبرى استخدام أكياس البلاستيك الرقيقة. ومنع استخدامها في كينيا ابتداءً من سنة 2008م، وفي فرنسا ابتداءً من 2010م، وفرضت إيرلندا ضريبة 0,15 يورو، على كل كيس، مما أدى إلى خفض استعمالها بنحو (95 في المئة). وفي يوليو 2007م، باتت كاليفورنيا أول ولاية أميركية تفرض على محلات السوبر ماركت وضع مستوعبات خاصة لإعادة التدوير تودع فيها أكياس البلاستيك. وفي الأول من (يناير) 2016م، تطبيق قرار منع استخدام الأكياس وغيرها من الأغلفة البلاستيكية في موروني عاصمة جزر القمر، حيث يمثل جمع القمامة والتلوث الناجم عن النفايات السامة مشكلة كبرى، أما أمانة جدة فقد حددت غرة جمادى الآخرة من هذا العام آخر موعد للسماح باستخدام الأكياس البلاستيكية بجميع المحلات التي تعمل على حفظ الأغذية الساخنة في أكياس بلاستيكية، وقد حذَّرت من استخدام هذه المواد المخالفة لاشتراطات السلامة، ودعت لاستبدالها بالأكياس الورقية، وأوعية القصدير والأوعية المخصصة لتعبئة الأغذية الساخنة، المعتمدة والمطابقة للمواصفات القياسية لمواد التعبئة والتغليف للمنتجات الغذائية.
فما بين جدل الداعمين لإبادة الأكياس من حيز الاستخدام والمتمسكين باستمرار الأكياس يبقى القرار معلقاً.