ليس بالجلد وحده يتعلم التلميذ
دعا رئيس الجمهورية إلى إعادة أسلوب العقاب بالجلد للمدارس، وقال في افتتاح مدينة المعلم الطبية أمس الأول: (كنا طلبة وكانوا يجلدونا ويدقونا وأنا في يوم واحد انجلدت “60” جلدة). وأضاف: (هو تربية وأي تربية أو عمل لابد أن يكون فيه جزاء وعقوبة).
صحيح العقاب وسيلة من وسائل التربية، لكن أحياناً تكون نتائجه عكسية على بعض التلاميذ، وهناك من ينفع معه أسلوب الضرب لكن لو عدنا إلى التلاميذ الذين تركوا التعليم في سن مبكرة نجد أن الضرب والعقاب كان من أسباب تركهم قاعات الدرس، وفي واحدة من القصص التي تروى أن طالباً كان قد هجر المدرسة منذ السنين الأولى بسبب الجلد وفي مرة من المرات قفز التلميذ بالشباك تاركاً المعلم والمدرسة، لكن هذا التلميذ ربنا كتب له رزقاً خارج نطاق التعليم وفتحت الدنيا عليه وأصبح من أصحاب الأموال، وفي يوم من الأيام وجد معلمه الذي هجر المدرسة بسببه فنزل من عربته الفارهة وسلم على معلمه الذي لم يتذكره في تلك اللحظة، فقال له المعلم: لم أعرفك. فقال له: أنا التلميذ النط بالشباك.. ووقتها المعلم كان يلهث وراء لقمة العيش، فقال لتلميذه: “أريتني لو نطيت أنا معاك الشباك”.
إن الضرب في المدارس كثيراً ما تكون نتائجه سالبة، وكم من تلميذ كان من الممكن أن يكون عالماً وبسبب الجلد ترك المدرسة، وإذا أجرينا مسحاً على كل الذين يعملون في المهن الهامشية اليوم وسألناهم عن أسباب تركهم الدراسة فلن تكون المصاريف واحدة من الأسباب لكن العقاب هو السبب، والعقاب غير المرشد هو الدافع الأساسي لترك المدرسة لأن هنالك معلمين يضربون التلاميذ ضرباً متشفياً وهو العقاب المرفوض، وأحياناً الأسلوب الهين اللين يمكن أن يؤدي الغرض أكثر من العقاب، وهناك أنواع من العقاب للتلاميذ منها الوقوف لفترة من الزمن خارج قاعة الدرس والوقوف حتى انتهاء الدرس.. لكن أن يكون الضرب في كل تصرف يبدر من التلميذ فهذا سيؤثر سلباً على التلميذ.
وكنت قد ذكرت في مقال سابق أن أحد الأساتذة قد حمل موساً وحاول أن يحلق لطفل لم يبلغ السابعة من عمره، أجلسه على الأرض بأسلوب لا يستخدمه مربٍ أبداً ولو كره هذا الطفل المدرسة سيكون السبب هذا المعلم.
في كثير من الأحيان نجد التلاميذ يحبون معلماً معيناً، والسبب أن هذا المعلم استخدم أسلوباً جيداً في التربية، مما جعل كل التلاميذ يحبون الحصة التي يدرسها، بل كل التلاميذ مميزين في تلك المادة وهذا لا ينطبق على تلاميذ الأساس والثانوي فحسب بل حتى طلاب المرحلة الجامعية تجدهم يفهمون من دكتور دون الآخر.. والعقاب ليس بالسوط وحده، فالعقاب اللفظي كذلك له أثر في نفوس التلاميذ والطلاب.
أن العودة لأسلوب الجلد بالمدارس في القرن الحادي والعشرين لا يجدي، فالعالم تطور وحتى الأسرة التي كانت تنتهج أسلوب الضرب مع أبنائها الآن تركته إلى مصادقتهم بدلاً عن عقابهم.. وأنا لدي تجربة ماثلة مع ابني، رغم أنه من التلاميذ الهادئين والمميزين وينهي واجباته ويحلها أولاً بأول لكنه يرتعد من السوط، حتى لو تمت معاقبة تلاميذ آخرين، وأثر هذا على نفسياته وجعله يترك المدرسة وامتحن شهادة الأساس من البيت، ونجح ودخل المرحلة الثانوية، وبعد أن بدأ العام الدراسي منتظماً وجد أسلوب العقاب في المدرسة ما زال موجوداً فترك المدرسة مرة أخرى، وحاولنا بشتى السبل إعادته لكننا فشلنا في ذلك.. فهل الجلد وسيلة جيدة للتعليم؟