ما بين "مريم" و"تريزا"
كتب الأستاذ “يوسف عبد المنان” في زاويته (خارج النص) عدد (الأحد) 4 ديسمبر، عن مأساة شعب، ورمز لهذه المأساة بالإخوة الجنوبيين، وعلى سبيل المثال الأخت الجنوبية التي تسكن بالحارة عشرين بالقرب من سكن الأستاذ “يوسف”، قبل أن ينتقل إلى فيلته الفاخرة بالحارة (مية) الثورة، تحدث عن “تريزا” تلك المرأة التي كانت تغسل الملابس بالحي لتقتات هي وأبنائها من ريعها بعد أن هاجر زوجها إلى مكان غير معلوم. تحدث الأستاذ “يوسف” بأسى عن حال تلك المرأة ومأساة الشعب الجنوبي الذي كان يحلم بوطن آمن ومواطن من الدرجة الأولى، حسب اعتقادهم، بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية، ولذلك عندما أجرى الاستفتاء كانت نتيجته بأكثر من (90) في (المية)، ظناً منهم قد نالوا الحرية الكاملة، ولذلك صوتوا لصالح الانفصال بتلك النسبة العالية، وأذكر وقتها كنت المنسق الإعلامي لمفوضية الاستفتاء، فقد شاهدنا تدفق الإخوة الجنوبيين للتصويت بتلك الكثافة غير المتوقعة من قبل المؤتمر الوطني الذي كان يراهن على أن الإخوة الجنوبيين سوف يصوتون لمصلحة الوحدة، حسب ما كان يراهن عليه الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك، ولكن الإخوة الجنوبيين خيبوا ظنه رغم مشاريع التنمية التي أقيمت هناك، والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس.
إن مأساة الشعب الجنوبي قابلتها طيبة الشعب في الشمال، وإذا كانت “تريزا” التي تقطن بالحارة عشرين، ففي نفس المنطقة لا تبعد كثيراً عنها تسكن الأخت “مريم”، وهي أيضاً جنوبية، أتى بها اللواء “عمر عبد الله عمر” من واو، ولم تبلغ السادسة من عمرها، واختار لها اسم “مريم” بعد إجراء القرعة لعدد من الأسماء، كما يعمل أهلنا في اختيار أسماء لأبنائهم، وقعت القرعة على اسم “مريم”، تلك الطفلة البريئة السمراء، لون الكاكاو، “مريم” أصبحت بنت للواء “عمر” تسكن مع بناته “سارة” و”سماح” و”هبة” و”عزة”، تشاركهم نفس الغرفة وتأكل معهم نفس الأكل، لم يعزلوها منهم، وتذهب معهم إلى المدرسة كل صباح، وأصبحت بنت لحرم اللواء “عمر” “أحلام”، وقرَّبتها منها أكثر من بناتها وأدخلتها المطبخ وعلمتها كيف تصنع الطعام، حتى برعت في صناعة كل أصناف الطعام، المفروك والأفرنجي والكسرة والعصيدة والقراصة، وأصبحت “مريم” اليد اليمنى لـ”أحلام” ولـ”عمر” ولا تنطق إلا بماما “أحلام” وبابا “عمر”، أكملت “مريم” المرحلة الثانوية، وجاء لخطبتها أحد أبناء جلدتهم شاب مهذب وتقي ومسلم يدعى “جمعة”، خطبها من “عمر” باعتباره والدها، وبدت مراسيم الزواج، وتم شراء الشيلة وتم شراء فستان الزفاف الأبيض وصنع فطور العريس، وأجريت لـ”مريم” كل ما يجري للعروس من حنة وتعليم العروس الرقيص، وذهبت الكوفير ونصبت خيمة الدعوة التي لبها كل أهل العريس وأصدقاء اللواء “عمر” وأهله، باعتبار البت بته، وجات الغناية ورقصت “مريم” رقيص العروس وقطعوا الرحط وزفت “مريم” إلى عريسها في أبهى حلة وأجمل زيجة، وكان من بعد ذلك بنت أطلق عليه اسم “أحلام”.
بعد الزواج حدث الانفصال فتمسكت “مريم” بالسودان الشمالي، ولم تفكر بالذهاب إلى الجنوب الذي لا تعرف عنه شيئاً، فقد غادرته وهي طفلة. سكنت “مريم” الشمال ولم تفكر في الجنوب وأحست بطعم وطيبة أهل الشمال معها، فلم تتجرع مأساة “تريزا” التي كانت تسكن بالقرب منها وشتان ما بين “مريم” و”تريزا”.