كوبري المسلمية بالخرطوم.. قصة صمود صرح أمام قرارات الإزالة!!
بعد أن استعصت عملية الهدم
مدير الهيئة العامة للطرق يكشف لـ(المجهر) عن ترتيبات معالجة الجسر
هيئة الآثار بعيدة عن المشهد.. والمواطنون يسخطون من تأثيرات هدم الكوبري!!
تحقيق ـ هبة محمود
لم تجد دعوات الإبقاء عليه حينها نفعاً بعد أن اعتمد المخطط الهيكلي للولاية إزالته، ورغم أن الأصوات تعالت بضرورة إبقائه نسبة لتاريخيته وإرثه الضارب في القدم، وفي الوقت الذي تنادت فيه دعوات الحفاظ عليه معلماً تاريخياً كانت (شهادة وفاته) قيد التحرير، عقب إعلان وزير البنى التحتية والمواصلات ولاية الخرطوم “أحمد قاسم” وقتها عن وجود تصدعات وتدهور إنشائي في (كوبري المسلمية) مما يجعله (منتهي الصلاحية)، الأمر الذي تتعذر معه صيانته وإعادة ترميمه مرة أخرى، في الوقت الذي بات وجوده يشكل خطراً على حياة الناس. وقد بررت لاحقاً ولاية الخرطوم أمر إزالته نسبة لدراسة فنية خلصت إلى محدودية الحركة فوقه مقارنة بالكم الهائل من المركبات التي ستتحرك بين مواقف المواصلات الثلاثة عن طريق الشارع الجديد الذي سيشيد بعد إزالته.
وغم الجهود التي أفرغتها وسائل الإعلام وكذا المواطنون وكثير من أهل الاختصاص عبثاً في الإقناع بضرورة الحفاظ على كوبري المسلمية، كانت آليات وزارة البنى التحتية تمارس عملها بالشروع في الإزالة التي تحولت دون سابق إنذار إلى عمليات توسعة وترميم، مخلفة حولها عدداً من التساؤلات، سيما أن الوزارة المعنية نفسها ظلت تردد مؤخراً أن قرارها فيما يتخص بالكوبري لم يكن (إزالة)، لتترك بذلك الباب مفتوحاً على مصراعيه حول الأصوات التي عدّت عمليات الإصلاح اعترافاً (غير صريح) من قبل وزارة البنى التحتية بخطئها، فيما ذهبت الأصوات الأخرى إلى استعصاء عمليات الإزالة وتدخل الهيئة القومية للآثار والمتاحف باعتبار الجسر إرثاً قديماً!
=
السيرة الذاتية لـ(كوبري المسلمية) تحكي نضال قبيلة المسلمية التي حاصرت “غردون” ، مع قوات المهدي توطئة لتحرير الخرطوم. ونقلاً عن روايات تاريخية فإن قبيلة المسلمية رابطت في منطقة الكوبري الحالية التي أنشأ عليها (المستعمر) لاحقاً بوابة المسلمية تخليداً لمساهمات أبناء القبيلة، ليتم بعد ذلك بناء الكوبري الحالي.
وبالرغم تاريخية الكوبري إلا أن الأقوال تتضارب حول تاريخ دقيق لإنشائه، فبعض الأقوال تشير إلى تشييده من قبل الإنجليز في العهد الحديث والبعض الآخر يؤكد أن الكوبري شيد من قبل الرئيس الفريق “إبراهيم عبود” في ستينيات القرن الماضي، وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وهو أن تاريخ إنشائه يعود للعام (1821م) أي إبان العهد التركي. المصادر الإلكترونية أيضاً تضاربت حول حقيقة عمر الكوبري، لكن رغم هذا التضارب فإن (جسر المسلمية) يعد رمزاً وطناً خالصاً وأول (كوبري طائر) بالبلاد حسب وزارة البنى التحتية والمواصلات، يأتي بعده في الترتيب كوبري الحرية.
{ حركة مرور معلقة!!
قرابة العامين والحركة المرورية في منطقة الكوبري عقب إغلاقه وإعادة ترميمه تشهد اختناقاً ملحوظاً لسير المركبات، الأمر الذي أثار تذمر المواطنين وسائقي المركبات جراء الوقت المهدر الذي يقضونه في الفكاك من زحام السيارات، إلا أنه وحسب ممثل المالك (وزارة البنى التحتية) والمشرف على المشروع مهندس “هاشم محمد أحمد” لـ(المجهر) فإن عملية الصيانة لم تؤثر على حركة المرور كثيراً رغم الاختناق الموجود لأن خط السير بالمنطقة (ضعيف) بحد تعبيره، لافتاً إلى أن القصد من عملية التوسعة هو إيجاد طريق بديل لتسهيل حركة السير بالمنطقة من خلال إنشاء طريق قادم من منطقة السوق العربي يمر تحت الكوبري، وقال: (نحن دايرين القطار المحلي يمر وبجانبه طريق قادم من السوق العربي، لذلك كان لابد من عمليات التوسعة وإزالة التصدعات الموجودة به وليس إزالته)، وأضاف: (لم يكن ممكناً إزالة الكوبري نهائياً لان ذلك من شأنه أن يخلق اختناقاً مرورياً عند نقطة التقاء شارع المك نمر مع شارع الطابية عند السكة الحديد وما قمنا بإزالته وإنشائه مجدداً هو الجزء الشمالي للكوبري).
{ تحديات تعترض التنفيذ العاجل
جملة من التحديات أشار إليها محدثي جعلت المدة الزمنية المقررة لإنهاء العمل بالكوبري (ستة أشهر) تتطاول لما يقارب العامين، حيث كان من المقرر افتتاح كوبري المسلمية يوم (10/ 4/2016) إلا أن عدم اكتمال العقودات ومشكلات التمويل بجانب التصاميم وتوريد الحديد حالت دون ذلك، وقال: (تزامن سير عمل تصنيع الحديد والتصميم معاً هو ما أدى إلى حدوث تأخير في إنهاء العمل بالكوبري المقرر لتسلميه ستة أشهر قادمة)، وأضاف: (نسبة إنجاز العمل تقدر بـ34% فقط).
وفي السياق يشير المهندس “محمد عوض” من هيئة الطرق والجسور بالولاية لـ(المجهر) إلى أن الجسر في حد ذاته لا توجد به تصدعات، وتأتي عملية توسعته نسبة لتشييد شارع الطابية، وقال: (أنا قمت بتسجيل زيارة للكوبري، فهو في حد ذاته لا توجد به مشكلات لكن نسبة لأنه عبارة عن صبة خراسانية كان لا بد من توسعته حتى يتسنى للطريق المرور من تحته)، وأضاف: (لم يكن مقرراً إزالة للكوبري بأكمله لأن ذلك من شأنه إعاقة الحركة، لكن الغرض كان إيجاد وسيلة لطريق الطابية حتى يمر من تلك المنطقة).
{ من إزالة الكوبري إلى إعادة بنائه!
بعض التساؤلات وضعتها (المجهر) على طاولة مدير الهيئة العامة للطرق والجسور والمصارف مهندس” الصافي أحمد آدم” الذي ألمح في حديثه إلى أن العمل في البداية كان يجري على إزالة الكوبري ليصبح طريقاً مثل شارع (بيويوكوان)، لكن أصبحت هناك مشكلة في التقاطع، وكان لا بد من إعادة توسعته بطريقة جيدة- على حد تعبيره وقال: (كوبري المسلمية تم إنشاؤه ضمن منظومة متكاملة لتنظيم الحركة في تلك المنطقة، وتم هدمه من الجهة الشمالية لزيادة طول الجسر حتى يستوعب خط السكة الحديد وطريقاً قادماً من الغرب إلى الشرق من شارع “بيويو كوان” حتى يلتقي في شارع الطابية في المك نمر)، وأضاف: (لذلك كان لا بد من توسعة كوبري المسلمية حتى يعطي مجالا “للسكة الحديد” و”الطريق الجديد” بعرض “14” متراً، مما يؤدي إلى فك الاختناق في تقاطع المك نمر مع شارع الطابية).
{ الآثار بعيدة عن المشهد!!
ثمة أحاديث دارت عن تدخل من قبل الهيئة العامة للآثار والمتاحف لإيقاف عمليات إزالة الكوبري باعتباره معلماً تاريخياً وأثرياً سيما عقب إيداع بعض المصادر مستندات “كوبري المسلمية” لدى دار الوثائق، وهو ما اقتضى تحويل عمليات الإزالة إلى توسعة وإعادة صيانة. إلا أنه ووفقاً للمدير العام لهيئة الآثار “عبد الرحمن علي” لـ(المجهر) فإن إدارته لم تتدخل في أمر إزالة الكوبري، بل تم تكوين لجنة لحصر المنشآت الأثرية كافة التي تتبع للهيئة، وقال: (حتى الآن لا نعرف ما إذا كان كوبري المسلمية يعدّ منشأة أثرية أم لا، فنحن نعدّ أي مبنى فاق عمره المائة عام ويتمتع بخصائص معمارية مميزة ورمزية بالنسبة للوطن، منشأة أثرية، ويجب الحفاظ عليها، وبالمقابل إذا كان هناك مهدد من قبل هذه المنشأة فيمكن إزالتها)، وأضاف: (حتى الآن ما عارفين وضع الكوبري شنو؟).
يشار إلى أن رد وزير البنى التحتية على مسألة مستعجلة تقدم بها النائب “مختار الضو” أمام المجلس التشريعي بالخرطوم في وقت سابق، حول إزالة الكوبري وإعاقته للحركة المرورية، خلص إلى تقرير صادر عن لجنة فنية أشار إلى أن أية عملية صيانة للكوبري ستؤدي لانهيار الأجزاء السليمة مما تطلب إزالته، منبهاً إلى طريق بديل لمعالجة حركة السير!!
{ انعكاس الإزالة على الحركة!!
حالة من الاستياء رصدتها (المجهر) بين بعض المواطنين وسائقي المركبات الذين استطلعتهم الصحيفة، وقاسمهم المشترك هو جأرهم بالشكوى جراء الاختناق المروري الذي أحدثه العمل بالكوبري وضياع الساعات الطوال للخروج من الازدحام سيما أوقات الذروة (الصباح- الظهيرة)، وحسب “مودة محمد” (موظفة) فإن العمل بالكوبري ساهم بشكل كبير ولافت في (الربكة) بالمنطقة، وقالت: (في السابق كانت الحركة تسير بشكل مختلف مما هي عليه الآن، ويسهل علينا الوصول لعملنا، الآن الوضع اختلف ولا نعرف متى يتم الانتهاء من العمل لتعود الحركة لمسارها الطبيعي). وبالمقابل سخر “محمود عبد الحفيظ” (طبيب) من الأقوال التي تردد بعدم وجود أي اختناق مروري بسبب العمل بالكوبري، وقال: (زيارة واحدة لمنطقة الكوبري ستكشف عن مدى الخلل المروري الواقع على المنطقة).
أما “إلياس عمر” (سائق أمجاد) فقد اكتفى بالقول إن أهمية جسر المسلمية هي ما جعلت الولاية تتراجع عن قرار الإزالة لتعود إلى ترميمه ويكون متنفساً للعربات القادمة الى وسط الخرطوم، وتلك التي تقصد مناطق جنوب الخرطوم، ويرى أن الكوبري عبارة عن (سُرة) لقلب العاصمة الخرطوم، ولا بد من الحفاظ عليه لتخفيف الزحام وتسريع حركة المرور المتثاقلة.