رأي

بعد.. ومسافة

وداعاً بنوك السودان!
مصطفى أبو العزائم
 
ليس كل بنوك السودان العاملة، ولكن بعضها يسير نحو الهاوية، هاوية لا مفر من الوقوع فيها، ولا أمل في الخروج منها، وهذا ليس من بنات أفكارنا ولا من ملاحظاتنا، بل من خبير اقتصادي كبير، وهو الدكتور “أحمد مجذوب” الوزير الأسبق وعضو البرلمان ورئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان، فقد أشار الرجل الشجاع أمام المجلس إلى تآكل إيرادات ورؤوس أموال وودائع عدد كبير من البنوك بنسبة (99,9%) وأن منصرفات بعض البنوك وصلت إلى (168%) من رؤوس أموالها، بما يعني أنها قامت باستهلاك كل إيراداتها وأرباحها بالإضافة إلى (68%) من رؤوس الأموال والودائع.
الآن وضح جلياً أن النظام المصرفي مهدد بالانهيار التام، خاصة وأن بعض البنوك تترأسها عصبة من غير أهل الاختصاص، يتمادى بعضهم في استغلال وضعه لتسيير أعماله الخاصة، وبعضهم لا يملك شيئاً، بل يدخل باسم مؤسسات أو منظمات خيرية أو شبه خيرية معفاة من كامل الضريبة، تضارب في الأسواق والعملة والمسموح به وغير المسموح، تزور في الأوراق الرسمية وتنتحل أسماء وصفات شركات وهمية لاستيراد أساسيات مثل (الدواء) وليست فضيحة شركات الأدوية الوهمية ببعيدة.
بعض رؤساء مجالس إدارات البنوك أصبحوا مثل العلامة التجارية التي لا تتغير، وجمعوا حولهم من يبصمون (بالعشرة) على قرارات تمكنهم من فعل ما يريدون وقت ما يريدون بغير حساب! ولا يعقل ألّا يكون هناك قانون ينظم مثل هذه الأوضاع ويحدد صلاحيات شاغلي المناصب العليا في البنوك التي نشأ كثير منها كشركات مساهمة، لكنه يدار كشركات خاصة مملوكة لرؤساء مجالس الإدارات ولبعض أعضاء تلك المجالس، يعيّنون من يشاءون في المناصب العليا داخل البنوك دون التزام بضابط أو شرط يحدد متطلبات الوظيفة.
نعم.. تحدث تجاوزات، لذلك على البنك المركزي أن يعيد مراجعة أوضاع كل البنوك التجارية، ويراجع مؤهلات شاغلي وظائفها القيادية، لأنه إن كان هناك تجاوز في قبول تلك المؤهلات وسنوات الخبرة، فإن ذلك يؤكد على أن الفساد بدأ من الرأس.
نطالب البنك المركزي الذي ظل مشرفاً على العمليات المصرفية في البلاد منذ أن بدأ العمل في فبراير 1960م، نطالبه ونطالب إدارته وعلى رأسها أهل اختصاص ومعرفة يتقدمهم محافظ البنك المركزي السيد “عبد الرحمن حسن عبد الرحمن” بأن يبدأوا حملة شاملة لإصلاح الأوضاع في كثير من البنوك السودانية التي أصبح بعضها – وللأسف الشديد – مثل (بنك الرجل الواحد)، وذلك من خلال التحايل على القوانين والتجاوزات في عمليات التمويل، وتفعيل دور الهيئة العليا للرقابة الشرعية بالبنك.
بعض البنوك الخاصة لا زالت تحفظ حسابات بعض المؤسسات والوزارات الحكومية، وهي بالمليارات، خاصة حسابات حكومات الولايات بدءاً من (الخرطوم) ومروراً بكل ولايات السودان، وبعض هذه البنوك تستغل هذه الحسابات والودائع في تنشيط وتسيير أعمالها، ولا تقوم بدور في تقديم قروض لتلك المؤسسات أو الوزارات لإنشاء أو تحديث أو تنشيط مشروعاتها المجازة وهو ما يسهم في صناعة أزمة العطالة وإيقاف عجلة التنمية.
وندعو مع المراجعة والتدقيق إلى تحقيق أهداف البنك المعلنة والمتمثلة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحفيز المصارف على استقطاب أصحاب الودائع وتوسيع قاعدة الشمول المالي وتفعيل آلياته وتحسين أداء مؤشراته.. لقد هرب كثير من المودعين بأموالهم إلى خزائنهم الخاصة في أماكن العمل أو البيوت، وحدثت بينهم وبين العملة الوطنية (الجنيه)، جفوة جعلتهم يلجأون إلى حفظ مدخراتهم – تحت أعينهم – بعد تحويل الودائع المحلية إلى عملات حرة من (سوق الله أكبر).
نحتاج إلى ثورة في القطاع المصرفي، ثورة حقيقية.. وأفعال لا أقوال.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية