ليلة المولد يا سر الليالي
تحتفل كثير من بلدان العالم الإسلامي سنوياً بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأهل السودان لهم محبة شديدة لرسول الله ولذلك تنصب السرادق في الميادين العامة وفي مناطق مختلفة من مدن السودان إحياءً لذكرى معلم البشرية. وتتجدد تلك المناسبة الطيبة لأخذ الدروس والعبر والاقتداء برسولنا الكريم وكيف وصلت إلينا الدعوة وما عاناه الرسول في توصيلها للبشرية جمعاء.
ومن محبة أهل السودان لرسولنا الكريم نظم الشاعر “محمد المهدي المجذوب” أروع القصائد وقدمها بأبهى صورة فنان السودان الأول “عبد الكريم الكابلي”، وهي قصيدة المولد (ليلة المولد يا سر الليالي) التي جسدت صورة حية لما يدور في سرادق المولد. وتنقل لنا الصورة كاملة وما يجري في أروع مشهد وتقول بعض كلماتها صل يا رب على المدثر وتجاوز عن ذنوبي واعني يا إلهي بمثاب أكبر أو كما تقول بعض المقاطع الأخرى. وهنا حلقة شيخ يرجحن يضرب النوبة ضرباً فتئن وترن ثم ترفض أنيا أو تجن وهذا مشهد الدراويش ومحبي رسول الله بزيهم الأخضر المميز وطواقيهم التي صنعت بطريقة خاصة، يدورون في حلقة الذكر يرددون كلمة الله الله. وتقول بعض مقاطع القصيدة ومكان الأرجل الولهى طيور في الجلابيب تثور وتدور تتهاوى في شراك ثم تستقر جرحى وتلوب. إن شاعرنا “المجذوب” أبدع في نظم تلك القصيدة وربما لم يجاريه واحد من الشعراء الفحول بالوطن العربي، ولم نسمع بقصيدة نظمت في مولد المصطفى بهذه الصورة الرائعة والتي تصور المشهد كاملاً،وهنالك مقطع آخر للقصيدة يقول: وتدانت أنفس القوم عناقاً واصطفافاً وتساقوا نشوة طابت مذاقا وهذه الصورة تجملها صور الأطفال وهم أيضاً يتذكرون مولد النبي عندما تصطحبهم الأسر وتشتري لهم الحلوة والحصين وعروس المولد، وهذه الأشياء تظل عالقة بأذهانهم طوال حياتهم، فكلما جاء الاحتفال بالمولد تذكروا أشياءهم الخاصة وانطبعت ذكرى رسول الله في مخيلتهم، ولذلك يعد أهل السودان هم الأكثر صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأكثرهم محبة له، ولذا ينبغي ألا تكون تلك الذكرى يوماً أو أسبوعاً وتمضي، ولكن يجب أن تظل ذكراه في مخيلتنا دائماً ويجب أن نتناسى به وبتعاليم الدين الذي كان خاتماً للرسالات.
هنالك من يعتقد أن الاحتفال بالمولد بدعة فلم يقم بها الرسول ولا الصحابة ولا الذين جاءوا من بعده ولكن من سن سنة حسنة ألم يكن له أجرها وأجر من عمل بها، فلماذا نحتفل بأعياد ميلاد أبنائنا وهم أقل قامة وهامة من الرسول صلى الله عليه وسلم ونعتبر الاحتفال بميلاده بدعة، لماذا لا تكون تلك الذكرى للعبر والدروس لماذا لا نعظم نبينا وقد عظمنا بني البشر وأقمنا لهم الاحتفالات والأعياد.
إن الاحتفال بمولد النبي مناسبة نعيش فيها بكل أحاسيسنا وجوارحنا ونبعد عن الصغائر التي تفرق بين المسلمين.
لقد اختلف بعض المسلمين في ذكرى مولد الرسول ولكن يجب أن نأخذ الجانب المضيء منها بدلاً من تلك الصراعات التي نلاحظها تحتدم بين أصحاب المذاهب الإسلامية والتي تصل أحياناً إلى حالات الضرب، وهذه ليست من شيم المسلمين ومحبي رسول الله لأن الاحتفال لا ترغ فيه الخمور ولا النساء بل تكون فيه العبادات والذكر وكل بطريقته التي يحتفل فيها برسول البشرية، فصلوا عليه يا أحباب الله واعملوا بتعاليمه وانشروا دعوته بدون هذا التعصب الذي لا يفيد.