حوارات

وزير الحكم المحلي بولاية الخرطوم "حسن إسماعيل" في حوار مع (المجهر) (2-2)

عقدنا مؤتمر الريف بالولاية ووجدنا أن الريف به غبن تنموي
شبكة الصرف الصحي الحالية تغطي (4%) فقط من الولاية وهذه واحدة من مشاكل التخطيط
ما في حاجة كتبتها في الجرائد وندمت عليها وهذا هو تقييمي لتجربتي في الجهاز التنفيذي…
أعترف بعدم رضانا من أداء الولاية فيما يتعلق بموضوع النفايات ولكن …!!
بهمة وعزيمة أشبه بتلك التي طالما عهدناه بها (معارضاً) ومدافعاً عن قضايا الوطن السياسية وهموم المواطن الاجتماعية، جلس “حسن إسماعيل” وزير الحكم المحلي ولاية الخرطوم، داخل مكتبه  يقلب الأوراق تارة ويدير الاجتماعات تارة أخرى.. يرسم الخطط ويقسم المهام، ويتقاسم الهم مع حكومة ولايته لحلحلة ملفات الولاية الشائكة والمعقدة والعصيبة، في ظل الانفجار السكاني الذي تشهده بعد أن صارت مقصداً للجميع.
قلبنا معه شتى الملفات (المحليات ـ اللجان الشعبية ـ التجاوزات الإداريةـ المواصلات ـ الأسواق ـ النفايات ـ الصرف الصحي.. الخ) من القضايا التي أرّقت المواطن وأنهكته، فكان حاضراً وممسكاً بزمام الأمور رغم قصر فترة توليه مهام الوزارة، فشرح لنا كيفية المعالجات وأبان لنا الخطط الموضوعة للخروج بالولاية مما تعانيه.
حوار ـ هبة محمود
 *في الحلقة الماضية تحدثت عن التنمية المتوازنة بين الولايات حتى لا تصبح الخرطوم مقصداً للجميع، ومؤخراً عقدتم مؤتمر تنمية الريف، فما هي المخرجات التي خلصتم لها؟
-نعم عقدنا مؤتمر الريف ووجدنا أن الريف به غبن تنموي، أنا  طفت ريف ولاية الخرطوم بأكمله وكذا المحليات السبع، ووقفت على حجم النقص بنفسي، على سبيل المثال (الكهرباء)، فنحن نقوم باستهلاك (95%) منها، ننير به (الشقق ـ الشوارع ـ الميادين ـ صالات الأفراح ـ الأندية ـ ملاعب الخماسيات) ونعطي المتبقي (5%) للريف، وكذلك الماء وهذه مشكلة، ومن هنا جاءت فكرة إقامة مؤتمر الريف للوقوف على الاحتياجات وتوفيرها، ووجدنا أن الاحتياجات والمشاكل كثيرة، فالريف به مشكلة تتمثل في التعليم الذي يعاني (الاكتظاظ) و(الاختلاط)، فمن الممكن جداً أن تجد مدرسة في الريف يحوي أحد فصولها (120) طالباً، أو تجد مدرسة مختلطة، الأمر الذي دعا كثيراً من الأسر لمنع فتياتهم من مواصلة الدراسة، هناك مشكلة أخرى وهي أن معظم قرى الريف تفتقر لوجود مدارس ثانوية، فتقوم عدد من القرى مشتركة فيما بينها، بعمل مدرسة واحدة وبذلك يمكن أن تجدي التلاميذ يقطعون مسافات كبيرة قرابة الخمسة كيلو مترات حتى يصلون إلى مدارسهم.
من خلال المؤتمر خلصنا إلى أن الريف لا يحتاج (قروش) بقدر احتياجه إلى امتيازات، يعني نحن عندنا مليون و(800) ألف فدان في الريف، بحاجة إلى كهرباء، سكان الريف محتاجون أن نعمل لهم أسواقاً لتسويق منتجاتهم، أحدهم قال لي: (نحن ممكن نبيع ليكم رطل اللبن بي 2 جنيه بدل يجي سمسار يشتري مني التمنة فيها 15 رطل بـ 15 جنيه ويجي يتمها ليكم موية ويبيع ليكم الرطل بـ 5 جنيه)، فقلت له والمطلوب، قال لي نحن منتجون قوموا بتخصيص أسواق ومراكز نوزع لكم عبرها الألبان والأجبان، لأننا في فصل الخريف نسكب اللبن على الأرض نسبة للإنتاج العالي، وذكر لي أنه بدلاً من تمويل الصناعات الصغيرة وشراء عربات أمجاد وخلافه نقوم بشراء ماكينات صغيرة لتحويل الألبان إلى أجبان حتى لا يخسر المنتج، ولذلك ذكرت لك سابقاً أننا بحاجة لعمل توازن في الصرف  وهذه كانت أهم رسالة في مؤتمر الريف، (يعني نحن ما حنشيل القروش كلها ونصلح شارع الستين، ونرصف شارع السيد عبد الرحمن السنة دي وتاني نجي نرصفه السنة الجاية).
*لكن الخرطوم نفسها في حاجة ماسة لإجراء الصيانات التي ذكرتها نسبة للضغط الذي تشهده؟
-والريف أيضاً محتاج، يعني أنا ما أصرف عليه!!
*إذن تصبح المسألة مسألة ميزانيات، هل تتوفر الميزانية الكافية؟
-(خلاص قالوا المساواة في الظلم عدل، وإنت لو صرفت على الريف وهو منتج أكيد حتكون هناك فائدة)، أنا درست الاقتصاد، والاقتصاديون يقولوا ليك (لو صرفت علي الخدمات انت بتكون شغال في دائرة مغلقة، لكن لو صرفت على الإنتاج دربك بطلع)، والصرف على الريف سيكون من خلال الصرف على البذور المحسنة وأسواق المنتجين والصناعات الصغيرة، وهذا بالتأكيد صرف ذو عائد، لكن لو أنا عملت خماسيات وأنا ما ضد القصة دي وجيت تاني صنتها فتصبح مشكلة وأهلنا بسموهوا (حوض رملة).
لذلك لا بد من الصرف على الإنتاج والريف منتج ومواطنه تكافلي (بشيل نفسو)، بعكس مواطن المدينة.
*برأيك نحتاج كم من الوقت حتى تحل ملفات ولاية الخرطوم المعقدة وتصبح كما نتمنى؟
-هذا سؤال كبير.. الأمر لا يتوقف علينا نحن في وزارة الحكم المحلي فقط، لكن هناك من يشاركنا ملفات الولاية وهو المجلس الأعلى للإستراتيجية الذي يرأسه البروفيسور (حسين أبو صالح)، الذي لاحظ أننا صرفنا كثيراً خلال الـ (20) سنة على البنى التحتية لدرجة أن ما صرفته الخرطوم لا يقل عن ما صرفته عواصم كبيرة جداً والآن هي تتقدمنا. فنحن لدينا مشكلة كبيرة وهي أن الصرف داخل الولاية لم يكن مخططاً له تخطيطاً إستراتيجياً.
*هناك سوء إدارة؟
-هناك سوء تخطيط وسوء إدارة معاً وهذا ما نعمل الآن على معالجته، ففي السابق كانت لدينا مشكلة وهي تصديق المرافق بغض النظر عن حاجتها حتى أصبح لدينا تضخم في المرافق، ثانياً التصديق سيكون بحسب حاجة الحي للمرفق، هناك أحياء تفتقر للمرافق.
*دعنا نتحدث عن الصرف الصحي للولاية، ومعالجاتكم له؟
-ولاية الخرطوم بحاجة لشبكة صرف صحي تواكب الاتساع العمراني والتراكم السكاني، فالشبكة الحالية تغطي (4%) فقط من الولاية، وهذه واحدة من مشاكل التخطيط، لذلك الوالي أصدر قراراً بعدم توزيع خطة إسكانية جديدة ما لم تتم شبكة الصرف الصحي، وهذا قرار قد يراه الكثيرون صعباً بعض الشيء.
*طيب بالنسبة للمناطق الموجودة حالياً، كيف هي المعالجة لشبكة الصرف الصحي؟
-هذه المناطق نحن وجدناها هكذا وهي بحاجة لمجهود جبار، لأننا نتحدث عن ولاية بها سبع محليات تفتقر جميعها  لشبكات الصرف الصحي، يمكنني القول إن كل الغابات الأسمنتية التي أنشئت في ولاية الخرطوم بلا صرف صحي.
*ملف النفايات.. هل يمكنني القول بأنه شبيه بملف الصرف الصحي؟
-أنا أعترف لك بعدم رضانا من أداء الولاية فيما يتعلق بموضوع النفايات، نحن بحاجة لمضاعفة مستوى الجهود لعدة أسباب، منها أن ولاية الخرطوم يجب أن تكون في وضع أفضل مما هي عليه ويتناسب ومكانتها كعاصمة للبلاد، ثانياً لأن ملف النظافة هذا إذا لم تحدث به معالجات فسيهزم كل ما نقوم به من مجهودات، لأن المواطن العادي لن يستطيع الاقتناع بمجهوداتك وهو يرى الشوارع متسخة، (فالموضوع أشبه بالزول الناجح في كل المواد وساقط عربي).. ولذلك لا بد من تجاوز هذا الأمر.
*ما هي الأسباب التي تجعل ملف النفايات شائكاً هكذا؟
-أسباب كثيرة وموضوعية، أولاً ولاية الخرطوم محتاجة حوالي (1186) آلية تعمل في جميع المحليات والعدد الموجود (250) آلية فقط، ولك أن تتخيلي مستوى الفرق في العجز، ثانياً الولاية تفرز يومياً حوالي (5) آلاف طن من النفايات، ما نستطيع سحبه هو نصف الكمية بجانب أننا نواجه عجزاً في المكبات والمحطات الوسيطة، وعجزنا في المحطات الوسيطة يسبب بطئاً في التفريغ، فعلى سبيل المثال محليتا أمبدة وكرري تفرغان نفاياتهما في محطتين فقط، وهذا معناه أن العربة بدل تفرغ في نصف ساعة ستفرغ في خمس ساعات، وبدلاً من أن تسحب (200) أو (300) طن ستقوم بسحب ربع الكمية دي، ولذلك إستراتيجيتنا تصب في كيفية توفير الآليات.
*هل هناك خطة لتوفيرها جميعاً؟
-بالتأكيد لن نستطيع توفيرها دفعة واحدة، لكن اللواء “مر نمر” لديه خطة إسعافية وهي توفير (50%) من الآليات، وإذا تمكنا من ذلك سنقلل حجم الإفراز اليومي، هذه خطتنا الأولى، أما الخطة الثانية تكمن في التوسع في عمل محطات وسيطة  حتى تنساب حركة العربات.
نحن أيضاً محتاجون لمرادم، لأن الخرطوم بأكملها لا يوجد بها مردم، وأم درمان بمحلياتها الثلاث تكب نفاياتها في مردم (أبو وليدات).        
*إذا تحدثنا عن التعليم نجد أن هناك كثيراً من مناطق الولاية تعاني الإجلاس ونقص المعلمين والكتب، فما هي معالجاتكم؟
-والله نحن وضعنا في التعليم داخل الولاية ما كعب.
*الوضع (كويس) بنسبة كم؟
-بنسبة (80%).
*لكن واقع حال كثير من المدارس يقول غير ذلك؟
-هناك ثلاث محليات كبيرة جداً فيها مشاكل، على سبيل المثال محلية أمبدة أنا عندي فيها (2) مليون نسمة، كان مستوى فاقد التعليم فيها كبيراً، الآن نحن تجاوزنا المسألة دي.
*ملف المواصلات؟
-ملف المواصلات هذا أنصحك بالجلوس فيه مع أخينا (حبيب الله)، لأن حديثي سيفسد ما يقوم به، فهو أيضاً لديه ثلاث قضايا سياسية تعتبر مشكلة، وتتمثل في  مواعين النقل ومشكلة المواقف والصيانة، وأنا أعتقد أن المشكلة الأساسية أن قطاع النقل غالبيته قطاع خاص، والقطاع الحكومي مواعينه المملوكة له بسيطة، وفي رأيي أنه لا بد من ضرورة التوسع في القطاع الحكومي أكثر حتى تحل المشكلة، لأن مالك العربة الخاصة يعمل وفق الظروف والمناخ، يعني لو صبت مطرة ممكن يوقف عربته، لذلك الحكومة لا بد أن يكون عندها جزء كبير من مواعين النقل عشان تتحرك به على الأقل في وقت الذروة والخدمات.
*حدثنا عن المدن المحورية التي أنتم بصددها، والزحف البشري والتضخم إلى أي مدى أثرا على ولاية الخرطوم؟
-نحن حنعمل المدن المحورية، هي مدن حدودية ما بين ولاية الخرطوم والولايات الأخرى على غرار مدينة جياد الصناعية الفاصلة بين ولاية الخرطوم والجزيرة، بغرض رفع مستوى الحياة في المناطق الحدودية وعدم زحف سكانها للولاية، يعني مواطن المسعودية إذا طلبت منه بيع منزله والعيش في الخرطوم فلن يقبل بذلك، نحن الآن نخطط في عمل مدينة صناعية في الجيلي، إذا المدينة اكتملت فمواطن تلك المناطق لن يأتي للعيش في الخرطوم، وبذات القدر نخطط في مدينة محورية بيننا وبين ولاية النيل الأبيض، وبيننا وولاية شمال كردفان على أساس أن توفر هذه المدن المحورية مستوى حياة أفضل لسكان المدن الطرفية إن لم يكن موازياً لمستوى الحياة في الخرطوم، لأنه ليس من مصلحتي ولا من مصلحة الولاية ولا حتى من مصلحة السودان أن يتكدس الناس جميعهم في الخرطوم، لأن  الحضور إليها يعني هجران الزراعة والثروة الحيوانية والرعي، وهذه مشكلة لأنه هل كل القادمين للعيش في الولاية سيعملون تجاراً أم أنهم سيصبحون من أصحاب المهن الهامشية!
ولذلك لا بد من وقف الزحف البشري على الولاية لأنه أثر كثيراً على خدماتها، وزي ما قلت ليك نحن الكورة ما كلها في ملعبنا، يعني ما لم تحصل تنمية متوازنة تجعل المواطن القادم من ولايات أخرى لا يحبذ العيش في ولاية الخرطوم، لن تحل المشاكل.
*بعيداً عن الحكم المحلي ومشكلات الولاية، تجربتك في الجهاز التنفيذي وأنت شخص قادم بروح (المعارض)، إلى أي مدى غيّرت في قناعاتك تجاه ما كنت تكتبه؟
-أنا أكتشفت أن المسافة كبيرة بين أن تنظر لقضية وأنت خارج ميدانها، وبين أن تكون داخلها، فالمسافة ما بسيطة، لأنه من السهل جداً أن تصحح للآخرين أوراقهم، ولكن من الصعب أن تجلس لحل ما قمت بتصحيحه، هناك كثير من القضايا عندما تكون كاتباً صحفياً تعتقد أن حلها يكمن في ما تكتبه، يعني أنا مثلاً عندما كنت أكتب عن النفايات، ما كنت أعتقد أنها من الصعوبة بمكان وما كنت أتصور إجابة في عدم حلها، لكن أنا الآن جالس في مجلس الوزراء وفي كل يوم بشوف الحاصل وأجلس مع المعتمدين ومع لجانهم وقادر أعرف المشكلة وين، يعني أنا لو كان شرحوا لي القصة دي وأنا كاتب صحفي قد لا أتخيلها، وما بكون مقتنع زي الزول البكون بتفرج في ملعب على كورة معينة ويحتج على ضياع الأهداف.
*هل ندمت على كتاباتك يوماً ما، و إلى أي مدى كنت موضوعياً فيها؟
-ما في أي حاجة كتبتها ندمت عليها، وكل كتاباتي كنت موضوعياً فيها خاصة مجال الخدمات، لأني كنت أقوم بجمع المعلومات بنفسي وما قلت كلام فيهو مبالغات.
*إلى أي مدى أفادتك التجربة التنفيذية؟
-التجربة التنفيذية دي أفادتني في أشياء كثيرة جداً، وهو أني وقفت على حجم التحديات التي تواجه ولاية مثل ولاية الخرطوم، عندما كنت كاتباً صحفياً كان هناك الكثير من القضايا التي لا أهتم بها، أو بمعنى أصح لم أكن أرها جيداً، يعني مثلاً قضايا الهجرة إلى الخرطوم وقضايا الازدحام وتأثيرها الحقيقي على الخدمات، وأن الخرطوم بها عيب خلقي وهي أنها مدينة قامت قبل أن تنشأ بها شبكات صرف صحي، وهذه المسألة ستظل شوكة في خاصرة أي حكومة تتولى زمام الولاية، فعموماً التجربة التنفيذية كانت مفيدة لي جداً.
*أخيراً هل تتنازعك أشواق الكتابة؟
-هناك قضايا كثيرة كتبت فيها خاصة قضايا الخلاف السياسي، لكنني لم أجد الوقت الكافي لمراجعتها تهيئة لنشرها، فأنا لا أستطيع التخلي عن الكتابة.
*من الممكن أن تكتب عن قضايا الخدمات كما كنت تفعل سابقاً؟ 
-أكيد طبعاً.. لازم.
*لكن بالتأكيد بزاوية مختلفة هذه المرة؟
-بمعلومات ووجهة نظر وزاوية مختلفة، ليست زاوية مدح أو ذم، ليس بالضرورة ذلك، لكن من الممكن أن تقدم معلومة أو رؤية ثانية، يعني أنا دائماً في مجلس الوزراء أقول إننا لن نستطيع الخروج من مشاكلنا هذه إلا إذا صممنا ميزانية إنتاج للخروج من دائرة الصرف، يعني ممكن أكتب عن هذه القضية. 

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية