تقارير

جوبا ووعودها بطرد الحركات ما بين القول والفعل

التناقض سيد الموقف
الخرطوم- ميعاد مبارك
التناقض سيد الموقف بين تصريحات حكومة جوبا التي وجهت ولاياتها بطرد الحركات المسلحة، وبين ما تحمله الأخبار من إسناد الجيش الشعبي بدولة الجنوب مهمة حماية الصواريخ بعيدة المدى التي خزنتها بجبل “كنجور” بعد استجلابها من إسرائيل للفرقة التاسعة بالجيش الشعبي (قوات قطاع الشمال)، فهل تضع جوبا مهلة الرئيس “البشير” موضع الجدية أم تحاول استفزاز الخرطوم التي توعدت باستخدام خيار آخر في حال عدم التزام جوبا بطرد الحركات، وتبعته وعود نائب رئيس دولة الجنوب “تعبان دينق” ووزير الدفاع “كوال ميانق” اللذين أكدا عزم جوبا طرد الحركات؟
{ زيارة حبلى بالوعود
نائب رئيس دولة الجنوب “تعبان دينق” أكد خلال زيارته المثيرة للجدل للخرطوم أغسطس الماضي أن اتفاقاً جرى بين حكومته والخرطوم  بطرد الحركات المسلحة من جوبا، وقال وقتها “إن أرض الجنوب لن تكون مأوى أو منطلقاً لأي قوات متمردة ضد حكومة السودان بعد الآن”، معلناً رغبة جوبا والخرطوم في التوصل إلى توافق بشأن كل القضايا العالقة “خلال ثلاثة أسابيع”، والبدء في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينهما.
{ مهلة الرئيس
مضت الشهور حاملة في ثناياها أسابيع “دينق” الثلاثة دون تحرك فعلي من حكومة الجنوب بخصوص التعاون الأمني بين البلدين وطرد الحركات فضلاً عن ترسيم الحدود وغيرها من الملفات العالقة، ليأتي بعدها خطاب الرئيس “عمر حسن أحمد البشير” الشهير أمام مجلس شوري المؤتمر الوطني، الذي أمهل خلاله حكومة جنوب السودان حتى نهاية العام (2016)، لتنفيذ الاتفاقيات الأمنية المبرمة بين البلدين التي تمنع أي منهما من دعم المتمردين على الآخر. وأكد الرئيس حرص الخرطوم على السلام في جوبا، وطالبها بنفس الحرص تجاه سلام السودان، وتوعد “البشير” بالمحاسبة، وقلب الصفحة وأضاف: (صبرنا بما فيه الكفاية).
{ واشنطن على الخط
لتأتي بعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وتطالب حكومة جوبا بوقف دعم الحركات المسلحة السودانية وطردها من أراضيها، مشيرة إلى تقارير موثوقة تؤكد إيواء جوبا لهذه الحركات، وقال نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “مارك تونر” إن “على جنوب السودان أن تمتثل لالتزاماتها بوقف إيواء وتقديم الدعم لجماعات المعارضة المسلحة بالسودان، كما هو مطلوب بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2046″، الأمر الذي قابلته الخرطوم بالترحيب خاصة وأنه يثبت ما أكدته عن دعم جوبا للحركات.
{ وعود على الهواء الطلق
جوبا وقبل أن يجف مداد تصريحات وزير دفاعها أمر نائب رئيسها حكام الولايات بجنوب السودان بطرد المعارضة السودانية من أراضيهم، ووجه حكام الولايات الـ(28) بطرد من سماهم القوة السالبة والمعارضة الشمالية من ولاياتهم، خاصة المناطق المتاخمة للجارة السودان.
وقال “تعبان دينق” في خطاب ألقاه خلال اجتماع ضم حكام الولايات بالعاصمة جوبا، إن حكومة جنوب السودان “لن تعبث بأمنها من أجل الآخرين، لأن الثوابت الوطنية هي التي تحتم علينا اتخاذ مثل تلك القرارات، وعلى جميع الحكام طرد القوى السالبة من أراضيهم بما في ذلك المعارضة الشمالية”.
{ تناقضات
لم تلبث تصريحات جوبا الإيجابية تعم القرى والحضر حتى تسربت أول أمس معلومات للصحف السودانية عن إسناد قيادة الجيش الشعبي بدولة الجنوب مهمة حماية صواريخ بعيدة المدى مخزنة بجبل “كنجور” للفرقة التاسعة من الجيش الشعبي (قوات قطاع الشمال)، التي استجلبتها جوبا من إسرائيل مؤخراً، وهذا ما يعيد الوعود المطلقة إلى المربع الأول. ومن جهة تطالب جوبا ولاة الولايات بطرد الحركات وتؤكد للخرطوم جديتها في التعاون الأمني بين البلدين، ومن جهة أخرى تسند حماية صواريخها الإسرائيلية الصنع للحركة الشعبية قطاع الشمال، في تناقض بائن يضع جوبا في مواجهة الخرطوم، خاصة وأن الرئيس “البشير” أعلن نفاد صبر حكومة السودان، وتوعد باللجوء لحلول أخرى في حال عدم التزام حكومة جوبا بوعودها.
{ إيعاز واشنطن والتعليمات الخاطئة
يرى الخبير في الشأن الجنوبي اللواء مهندس “عبد الرحمن أرباب” أن جوبا غير جادة في طرد الحركات، وأرجع ذلك إلى توجيه “دينق” للولايات بطرد الحركات بدلاً عن توجيه أوامره للجيش وجهاز الأمن بذلك، مؤكداً أن طرد الحركات ليس من مسؤولية الولايات.
وأكد “أرباب” أن المشكلة التي تكبر حركات دارفور هي قوات قطاع الشمال التي أوكلت لها حكومة جوبا مؤخراً حماية صواريخها في جبل “كنجور”.
ويشدد اللواء “عبد الرحمن” على أن موقف الجنوب ليس بمعزل عن محيطه العالمي، مشيراً إلى إيعاز الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل التي تحتفظ بذيل القط ككرت ضغط على حكومة الخرطوم. ويجزم المتحدث بأن دعوة الولايات المتحدة لجوبا بطرد الحركات لا تعدو كونها خطابات سياسية، وأضاف قائلاً: (لو كانت مطالب أمريكا لجوبا جادة لنفذت على الفور، لأن جوبا لا يمكن أن ترفض لحليفتها واشنطن أي طلب)، وخلص “أرباب” إلى أن كل هذا تمثيلية لا أكثر، وأن جوبا مصرة على الاحتفاظ بالحركات التي ساعدتها كثيراً، رغم الزيارات المكوكية للمسؤولين الجنوبيين للخرطوم والاجتماعات الكثيرة التي تكللت بالكثير من الوعود بطرد الحركات.
{ حل عسكري
وبما أن الرئيس “البشير” قد توعد بحلول أخرى في حال عدم إيفاء جوبا بالتزاماتها، توقع الخبير في الشأن الجنوبي اللواء “عبد الرحمن أرباب” إمكانية لجوء الخرطوم للحل العسكري، لكن بتوازن، مراعاة للمصالح المشتركة بين البلدين، وأضاف قائلاً: (يمكن أن تقوم الخرطوم بعملية عسكرية محدودة، خاصة بعدما جلبت جوبا عليها العداء)، مبيناً أن القانون الدولي يتيح لها اللجوء للحل العسكري في حال عدم التزام حكومة الجنوب بالتزاماتها.
{ المزيد من الاجتماعات
 واتفق الخبير السياسي الجنوبي “ستيفن لوال” مع سابقه في أن  حكومة جوبا ستفشل في الالتزام بطرد القوى العسكرية المعارضة ضد السودان، مؤكداً عدم قدرة الحكومة في جوبا على طرد الحركات الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال والجبهة الثورية من جنوب السودان رغم وعود الوزراء ونائب الرئيس “تعبان دينق قاي” ووزير الدفاع “كوال منيانق”، وذلك بعد تضارب المواقف الرسمية في كيفية طرد الحركات التي وصفتها حكومة الجنوب بالسالبة.
 ويشير “لوال” إلى أن وزارة الخارجية الجنوبية أكدت مراراً أن جوبا لا تأوي أو تحتضن أية حركات سالبة، لافتاً إلى ما وصفه بالموقف الدبلوماسي لسفير جنوب السودان في الخرطوم “ميان دوت” الذي استمر في ترديد ذلك في حين أن الحكومة المتمثلة في رأس الدولة معترفة بوجود تلك الحركات ضد الخرطوم بما يعني حسب “ستيفن”  أن الأزمة المتعلقة بالمصفوفة الأمنية تحتاج إلى اجتماعات أخرى تقرب وجهات النظر بين البلدين للخروج بجدول يحدد كيفية خروج تلك الحركات.
{ جوبا تستعين بالحركات في حربها الداخلية
 ورهن “لوال” التزام جوبا بتنفيذ وعودها باتفاق داخلي باعتبار أن الأزمة الجنوبية تجبر جوبا على الاستعانة بتلك الحركات بسبب الأزمات العسكرية بولايات جنوب السودان، متهماً تلك الحركات بقتل شعب جنوب السودان، وطالب الخبير الجنوبي بخروجها فوراً وإلا سيتم تصنيفها كإرهابية مثلها مثل التنظيمات الإرهابية الأخرى وأضاف قائلاً: (عليها الامتثال لإرادة الشعب بدلاً عن الحكومة، فالمستفيد الأول هو شعب جنوب السودان في حالة خروجها من جنوب السودان أو توجهها إلى المفاوضات وفق نتائج الحوار الوطني الذي أجمع عليه كل شعب السودان).
 ويرى المحلل السياسي “استيفن لوال” أن حكومة السودان قدمت دعوة صريحة لتلك الحركات ورافضي السلام، مشدداً على ضرورة التحاقهم بالحوار الوطني السوداني وترك حل قضايا الجنوب الداخلية  للجنوبيين عبر حوار وطني أيضاً، وحذر “لوال” الحركات من المواجهة مع الشعب الجنوبي، مشيراً إلى أن الحكومة السودانية حتى اللحظة تتعامل مع حكومة جنوب السودان بحسن نية حتى لا تنهار الاتفاقية. وأكمل الخبير الجنوبي حديثه متسائلاً عن تأخر ردود أفعال الحكومة تجاه ما يقول به سفير جنوب السودان من اتهامات ضد السودان، وأضاف متسائلاً: (كيف يعقل أن يحتضن السودان المعارضة الجنوبية وفي ذات الوقت يعاملنا كسودانيين ويقدم مساعدات إنسانية لمتضرري حرب الجنوب ويفتح حدوده لهم؟).
وما بين الوعود التي يكذبها الواقع تظل علاقة البلدين تحت وميض لا يطفئه إلا الالتزام بالمواثيق والعهود.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية