تفاصيل أولى عتبات تجاوز أزمة سد النهضة الإثيوبي
بعد التوقيع على عقد الدراسات الإضافية
مصر تتراجع عن الموقف المتشدد وإثيوبيا تتعهد بعدم الإضرار والسودان يبدي ارتياحه
الخرطوم ـ رقية أبو شوك
آراء متباينة كثيرة صاحبت إنشاء سد النهضة الإثيوبي من قبل دولتي السودان ومصر، وذلك عندما بدأت الدولة الإثيوبية التفكير في إنشائه وإجراء عمليات المسح والتصميم في العام 2009م والعام 2010 على التوالي، وجاءت الآراء المتباينة من خبراء مياه أكدوا أن السد ستكون له تأثيرات سلبية على السودان ومصر.
في السودان جاءت الموافقة على السد فنياً، كما أكد ذلك لـ(المجهر) وزير الري الأسبق رئيس الجهاز الفني للموارد المائية رئيس الجانب السوداني بالهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل، بروفيسور “سيف الدين حمد عبد الله”، بأن الدراسات الفنية التي قام السودان بإعدادها تجاه سد النهضة تؤكد أن إنشاءات السد آمنة تماماً، وأضاف: (متأكدون من أن إنشاءات السد وعوامل الأمان 100%). وتابع: (لذا فإن قرار الموافقة على سد النهضة كان قراراً فنياً من الدرجة الأولى، والذي صدر بناءً على الدراسات الفنية التي أكدت بأنه آمن).
وصاحب إنشاء السد اختلاف كبير في وجهات النظر ما أدى إلى تصاعد التوتر والإنذار بوضع وخيم في المنطقة، إلا أن الجهود التي تضافرت خاصة من دولة السودان وتبنيها مبادرات وتحركات عديدة لتقريب وجهات النظر أتت أكلها، حيث استضافت العاصمة السودانية الخرطوم بكل الترحاب أغلب جولات التفاوض والاجتماعات حول السد على كل المستويات في الدول الثلاث، ووجد دور السودان في حل الأزمة ونزع فتيل التوتر إشادات عالمية من كثير من دول العالم ومن المنظمات العالمية، حيث عدّت كثير من المنظمات ما قام به السودان عملاً عظيماً يصب في خانة تعزيز السلم وتعظيم التعاون بين دول المنطقة سيما دول الحوض عينه، لكن يبقى السؤال: هل طوى الشركاء ملف أزمة بناء سد النهضة إلى غير رجعة؟
{ أولى عتبات التوافق حول بناء السد
يوم أمس (الثلاثاء)، وفي تمام الساعة العاشرة والنصف صباحاً، بفندق “السلام روتانا” احتضنت واحتفلت الخرطوم بالاجتماع الثلاثي لوزراء المياه في السودان ومصر وإثيوبيا، على شرف التوقيع على عقد الدراسات الإضافية لسد النهضة التي أوصت بها لجنة الخبراء العالمية في وقت سابق.
وزير الموارد المائية والري والكهرباء “معتز موسى” كان حضوراً قبل الموعد المضروب، كما أنه قام بتقديم فقرات الحفل و(تقديم) وزيري الري المصري والإثيوبي بعد أن ألقى كلمة ترحيب أشار فيها إلى أن السودان له عظيم الشرف باستضافة هذا الاجتماع التاريخي وأن نكون شهوداً على عقد الدراسات الإضافية التي حازت عليها شركتان استشاريتان من فرنسا الأولى هي شركة (BRLI) والثانية الفرعية شركة (Artelia) وذلك لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي على دولتي السودان ومصر على أن يشمل محور الدراسات (نمذجة) ومحاكاة الموارد المائية ونظام التوليد الكهرومائي، بجانب تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي العابر للحدود، ووصف التوقيع بالخطوة المهمة لأنه يجسد توافق الدول الثلاث، وأضاف: (التعاون المشترك يعزز من بناء الثقة ويمكن من تحقيق التكامل حول القضايا المائية ونظام التوليد الكهرومائي) وزاد: (المرحلة المقبلة ستشهد تفاهماً أكبر من الدول الثلاث بعد الانتهاء من عملية تشييد السد)، وقال إن السودان يعي تماماً أن الدراسات ستعزز الفهم المشترك، كما أنه سيظل ملتزماً بالتعاون مع الدول الثلاث لتطبيق نتائج الدراسات لصالح الدول.
{ مصر تتراجع
وزير الري المصري د. “محمد عبد العاطي” قال وهو يخاطب الاحتفال إن هذا الاجتماع يعدّ حدثاً طال انتظارنا إليه كثيراً وقد جاء الآن بعد مداولات طويلة، مؤكداً أن التاريخ يبدأ من هنا، وتابع: (الحلم أكبر من التوقيع)، منوهاً في هذا الصدد إلى محاربة الفقر وإحداث التنمية في البلدان الثلاثة، شاكراً حكومة السودان على الاستضافة والضيافة التي وفرت لهم منذ وصولهم، وأشاد أيضاً بالجهود الكبيرة التي بذلها السودان في دعم مباحثات سد النهضة.
{ إثيوبيا: لا مجال لإلحاق الضرر بأي من الأطراف
وزير الري الإثيوبي “موتوما مكاسا” والذي يقع السد في بلاده بدأ كلمته قائلاً: (صباح الخير أيها السادة وصاحبا المعالي “معتز” و”عبد العاطي” وأعضاء اللجنة الوطنية، أصالة عن حكومة إثيوبيا أشيد باللجنة الوطنية من قبل السودان ومصر وبالجهود التي بذلتها اللجنة الوطنية وصولاً إلى مرحلة الدراسات التي نحن بصدد التوقيع عليها الآن)، وأضاف: (بالتوقيع على الدراسات نكون قد بدأنا خطوة جديدة تؤدي إلى تقوية العلاقات بين الدول الثلاث)، ودعا في الوقت نفسه إلى مواصلة الجهود من أجل تعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق التنمية واجتثاث الفقر، مؤكداً أنه لا مجال هنا للمنافسة أو إلحاق الضرر بأي من الأطراف، وتابع: (أغلب الاتفاقيات تم إبرامها هنا بالسودان وكانت هنالك مناقشات ثرة أدت إلى بناء الثقة)، وقال: (نحن الآن نبدأ خطوة جديدة في تنفيذ الاتفاقيات وملتزمون بالعمل من أجل التعاون الدائم بين الدول الثلاث)، منوهاً إلى ضرورة التركيز على الجوانب الفنية وليس السياسية.
الاستشاري الفرنسي “جين كريستيان” شكر الدول الثلاث على الثقة، مؤكداً أنهم سيكونون ملتزمين بتنفيذ هذه الدراسات بطريقة مرضية للجميع.
وبعد التوقيع شكر “معتز موسى” الجميع، وقال: (نشكركم وأنتم تزينون هذا المكان ونحن نقدم مثالاً يحتذى به لنتجاوز التحديات كافة ونقول للعالم إننا سنعمل مع بعضنا من أجل النهضة لأن الخلافات ستقود إلى نتائج غير محمودة، إلا أننا بالجلوس مع بعض سنتجاوزها، وسنبدأ عقب التوقيع بتوفير المعلومات بطريقة مهنية محترمة.. فالعقد سيكون خارطة طريق خلال العام الذي حدد للدراسات).
وتشير (المجهر) إلى أن مشروع سد النهضة يمثل واحداً من أكبر السدود في القارة الأفريقية وهو سد إثيوبي يقع على النيل الأزرق بإقليم (بني شنقول- قمز) على مسافة (15) كيلومتراً من الحدود الإثيوبية- السودانية، ويتوقع اكتماله في عام 2017م كما أنه يتوقع أن ينتج (15) ألف ميقاواط ساعة في العام، وهو ما يعادل (6) أضعاف إنتاج سد مروي، بحجم مياه بلغ (74) مليار متر مكعب وبعمق بلغ (145) متر مكعب، فيما بلغت تكلفته الكلية (تسليم مفتاح) (4.6) مليار دولار، بعائد متوقع من الكهرباء في العام مليار يورو، مع توقعات بأن يتم استرداد تكلفته المالية في أقل من عام.
كما التأمت بالخرطوم أكثر من سبع جولات للتفاوض حول السد، وشهدت الخرطوم الحدث الكبير بالتوقيع على وثيقة إعلان مبادئ حول سد النهضة، حيث وقع السودان ومصر وإثيوبيا في احتفال تاريخي بالقصر الجمهوري يوم 23 مارس 2015م على وثيقة إعلان المبادئ، ووقع عليها كل من رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” والرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ورئيس الوزراء الإثيوبي “هايلي مريام ديسالين”، بحضور رئيس وزراء يوغندا، و”جيمس واني” نائب رئيس جنوب السودان ووزير الدولة الإماراتي “عبد الله بن محمد غباش” وممثلين للبنك الدولي و(إيقاد) ومبادرة حوض النيل وعدد من الوزراء والمهتمين.
وكان رئيس الجمهورية “عمر البشير” قد خاطب الاحتفال آنذاك قائلاً: (يطيب لي أن أخاطب جمعكم الكريم وأنتم تحتفلون اليوم بالتوقيع التاريخي على وثيقة اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة الإثيوبي، وأن يكون لنا الشرف أن تحتضن الخرطوم التوقيع على هذا الاتفاق العظيم.
وإنني أصالة عن نفسي ونيابة عن شعب وحكومة السودان.. أرحب بكم أشد التِرحاب وأنتم تُقدِمون على عمل تاريخي غير مسبوق في إطار العلاقة الأزلية بين شعوبنا ودولنا الثلاث).
{ فوائد سد النهضة للسودان
وتشير الدراسات إلى إن الفائدة الأساسية للسودان من سد النهضة تتمثل في تنظيم جريان نهر النيل الأزرق، والفائدة المباشرة للسودان تأتي من هذا التنظيم لأن المواعين التخزينية محدودة في الروصيرص وسنار.. بمعنى آخر، سيتم توفير مواعين تخزينية للسودان في المنطقة الجنوبية، الأمر الذي سيؤدي إلى التوسع في الزراعة، كما أن السودان سيصبح بإمكانه الاستفادة من حصته كاملة، خاصة وأن السودان معروف الآن بأنه يستهلك (12) مليار متر مكعب في العام، وبعد السد ستتم الاستفادة من حصة السودان كاملة، كما أن انتظام جريان النيل سيساعد على زيادة التوليد الكهربائي خاصة في الخزانات القائمة الآن.
وحسب المدير العام لمعهد البحوث الهيدروليكية “ياسر عباس محمد” فإن دراسة قد أجريت أكدت أن الكهرباء المولدة من خزان الروصيرص يمكن أن تزيد بنسبة (20%) بعد قيام سد النهضة للوضع الحالي من غير أي تغيير للتوربينات، فالسعة الحالية لتوربينات الروصيرص (280) ميقاواط سترتفع إلى (420)، فالزيادة في الكهرباء ستكون (60%) بدلاً عن (20%).
أيضاً من فوائده تقليل تكلفة الضخ بالطلمبات، فمعروف أن منسوب النيل الأزرق في الخريف يكون عالياً، كما أن تكلفة الضخ تقل من (11 ـ 12 ـ 5) بالإضافة إلى تحسين الملاحة النهرية في السودان وتقليل كمية الطمي.
جدول يوضح نوع وعدد الفعاليات التي استضافها السودان: