الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي "محمد ضياء الدين" في حوار الصراحة مع (المجهر) ( 1ـ 2)
مواقف بعض قوى المعارضة مجرد محاولات لتحسين موقفها التفاوضي مع النظام
من يريد التسوية مع النظام سيجد نفسه خارج (قوى الإجماع)
المرحلة المقبلة مرحلة فرز وصراع بين قوى الانتفاضة وقوى التسوية
ظل حزب البعث يقود معسكر الصقور داخل قوى الإجماع الوطني متمسكاً برفضٍ قاطع لمجرد مبدأ الحوار مع النظام، منادياً بإنفاذ خيار (الإسقاط) ومواجهاً بعض رفاقه في المعارضة الذين يرى أن نفوسهم قد مالت للتسوية السياسية مع النظام.. وهم من وصفهم الناطق الرسمي باسم البعث “محمد ضياء الدين” بمن نفد (بنزينهم) النضالي وخارت قواهم في مواصلة درب إسقاط النظام الشاق.. كثير من القضايا ناقشناها مع “ضياء” من بينها بعض تفاصيل انقلاب 28 رمضان الشهير الذي يقف خلفه حزب البعث.
حوار – عقيل أحمد ناعم
{ الحكومة أعلنت أن لا حوار مع المعارضة بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني.. كيف تنظرون لهذا الإعلان؟
– نحن على قناعة بأن هدف المؤتمر الوطني من الحوار استصحاب بعض الأطراف المحسوبة على المعارضة وليس كل المعارضة، وذلك متزامناً مع رؤية المجتمع الدولي التي يعبر عنها الاتحاد الأفريقي عبر الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي طرحت قضية الحوار وقدمتها لبعض الأطراف وامتنعت عن دعوة أطراف أخرى. أما الحديث الأخير عن أن لا حوار مع المعارضة بعد إجازة مخرجات الحوار، فهو محاولة لدفع بعض أطراف المعارضة التي لم تحسم موقفها للإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة للمشاركة في الحوار عبر مسار الداخل أو مسار الخارج الذي تُهيأ له الأجواء للالتحاق لاحقاً بمسار حوار النظام بعد استكمال بعض الإجراءات، على رأسها قيام اللقاء التحضيري المرتقب بذات الاسم أو بغيره.
{ عفواً.. الآن كل أطراف المعارضة الممانعة تعلن أنها لا ترغب في الالتحاق بالحوار.. ما هي الأطراف التي تتحدث عن أنها لم تحسم موقفها والمتوقع مشاركتها في الحوار؟
– لا أريد أن أحدد طرفاً بعينه، ولكني لا أعتد بمواقف معلنة من بعض الأطراف السياسية المعارضة التي ترفض من خلالها الحوار.
{ لماذا لا تعتد بإعلان هذه القوى رفضها المشاركة في الحوار؟
– لأن كل هذه المواقف مجرد محاولات لتحسين الموقف التفاوضي لهذه الأطراف.
{ ما هي هذه الأطراف تحديداً؟
– بعض أطراف المعارضة المسلحة وغير المسلحة في (نداء السودان) وخارجه.
{ هل بعض قوى الإجماع أيضاً لم تحسم موقفها وهي راغبة في الحوار؟
– من الناحية النظرية قوى الإجماع موقفها موحد في عدم الرغبة في الحوار مع النظام. وهناك رؤيتان: رؤية ترفض الحوار من حيث المبدأ، ورؤية أخرى مع الحوار المشروط. هذا هو الموقف الحقيقي لقوى الإجماع، ونرجو أن تلتزم بهذا المبدأ وأن تعتمد عملياً خطها الأساسي وهو العمل على إسقاط النظام.
{ لكن خيار إسقاط النظام أصبح صوته خافتاً وانفض من حوله المساندون؟
– عندما يكون هناك أكثر من خيار، وعندما يتقدم خيار الحوار الشامل على الانتفاضة الشعبية ويتحول خيار الانتفاضة لخيار ثانٍ مرتبط بفشل الخيار الأول، يحدث تراجع للخيار الحقيقي وهو خيار الانتفاضة. وهذا ما أربك موقف المعارضة وأدى لتراجع خيار الانتفاضة أمام خيار الحل الشامل المتفاوض عليه، وهو خيار التسوية.
{ لماذا ترفضون خيار التسوية والمعارضة عاجزة عن خيار إسقاط النظام عبر الانتفاضة أو العمل المسلح؟
– أولاً المعارضة عندما تطرح خيار إسقاط النظام فهذا لا يعني أن المعارضة هي المعنية بالإسقاط، إنما لديها دور محدد في كشف وتعرية النظام وتنظيم الشعب للقيام بدوره. الذين يحكمون على المعارضة بالفشل في إسقاط النظام يقرأون الوقائع من خلال ميزان القوى الراهن، ونحن نتحدث عن ميزان قوى لاحق مرتبط بقدرات الشعب التي من شأنها أن تخلق التوازن المطلوب في القوى لصالح الإرادة الشعبية. أما رفضنا لمبدأ التسوية السياسية فلأن التسوية تبقي على النظام وتحافظ على سياساته وبرامجه ورموزه ومرتكزاته التي هي السبب الأساسي في الوصول إلى ما آل إليه وضع البلد. نحن لسنا إصلاحيين ولا نسعى لإصلاح النظام أو ترقيعه بالإبقاء عليه، إنما نحن دعاة حل جذري يستأصل النظام من جذوره، لأنه دون ذهابه لن يكون هناك حل شامل. لهذا نرفض مبدأ التسوية مع النظام.
{ رئيس حزب المؤتمر السوداني “عمر الدقير” قال لكم منتقداً موقفكم الرافض لمبدأ التسوية السياسية التي يسعون لها وفق شروطهم (التسوية ما كعبة.. كعبة التسوية الكعبة).
– (مافي تسوية ما كعبة).. (كعب) من ينظر للتسوية بأنها (ما كعبة).
{ عفواً أستاذ “محمد”.. يبدو من خلال متابعتنا أن لديكم حساسية تجاه حزب المؤتمر السوداني.. ما سرها؟
– لا توجد أية حساسية بيننا وبين أي تنظيم آخر. نلتقي مع تنظيمات المعارضة، لكننا نتقاطع معها عندما نرى أن هناك رؤية تتقاطع مع الموقف الوطني الصحيح.
{ عن من تتحدث تحديداً.. هل هناك داخل قوى الإجماع من تتقاطع رؤاه مع الموقف الوطني الصحيح؟
– لا أريد أن أتهم طرفاً داخل قوى الإجماع.. لكن عندما نحس أن هناك طرفاً أو أطرافاً تقاطعت مواقفها مع الموقف من النظام خاصة في قضية الحوار والتسوية السياسية فحتماً سنواجه هذه الأطراف بغض النظر عن من هي.
{ لكن تحالف قوى الإجماع الآن يرى كثيرون بمن فيهم بعض مكوناته أنه أصبح مجرد جسم بلا فاعلية أو قدرة على الفعل؟
– رغم كل ذلك ما زالت قوى الإجماع تمثل المركز الرئيسي للمعارضة في الداخل. صحيح أن أداءها يتعرض لمد وجزر نتيجة التقاطعات في المواقف والتأثيرات التي تركتها دعوات الحوار مع النظام في الداخل أو تلك التي تقودها أطراف دولية، هذا هو السبب الرئيسي بالإضافة لأسباب أخرى أمنية أو مرتبطة بظروف تنظيمية لقوى الإجماع.
{ بعد كل هذا الضعف الذي تعترفون به والمنظور للجميع.. هل ما زالت قوى الإجماع قادرة على المضي في طريق هدف إسقاط النظام؟
– إذا تمسكت قوى الإجماع بخطها الرئيسي وقطعت الطريق أمام التسوية، وأعادت ترتيب أوضاعها الداخلية، وعادت للعمل المشترك الذي يعيد الاعتبار للجماهير فستكون قوى الإجماع قائدة لنضالات شعبنا.
{ لكن واضح أن قوى الإجماع لا تستوفي أياً من الشروط التي ذكرتها أعلاه؟
– الآن تُعيد ترتيب نفسها لمواجهة تداعيات المرحلة المقبلة بكل ما يمكن أن تحمله من نتائج. والذي يريد التسوية مع النظام سيجد نفسه خارج قوى الإجماع وستلتزم هي بخطها. المرحلة المقبلة قد تصبح مرحلة فرز يصحبه اصطفاف جديد بين قوى التسوية مع النظام وقوى الانتفاضة التي تعمل على إسقاط النظام، وسيتركز الصراع خلال المرحلة المقبلة بين هذين الخندقين.
{ من يمثل خندق التسوية داخل قوى الإجماع؟
– أي طرف يخضع للضغوط الدولية ويكفر بقدرة الجماهير على إسقاط النظام، ويرهن موقفه الحالي بميزان القوى الراهن.. كل هؤلاء هم من سيلتحقون بالنظام، وهي القوى التي نفد (بنزينها).
{ يبدو أن مثل هذه الدعاوى هي ما دفع “الصادق المهدي” عقب توقيع خارطة الطريق لانتقادكم ومطالبتكم بالكف عن المزايدة على المواقف المعارضة للنظام.. ألا ترى فعلاً أنكم تزايدون عليهم؟
– نحن لا نزايد على طرف ولا نراهن إلا على قدرات شعبنا، ونرى أن التمسك بالموقف الوطني الصحيح وتحمل تبعاته هو ما سيحقق انتصار الإرادة الشعبية في مواجهة العجز والتسوية مهما وجدت من دعم من النظام أو من ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي يريد إلحاقها بالنظام، وهذا ما تشير إليه بوضوح خارطة الطريق وقرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي (456، 359).
{ هل تتوقعون أن تصل المفاوضات المرتقبة بين الحكومة والحركات المسلحة إلى اتفاق؟
– نحن في حزب البعث ندعم ونثمن الحوار بين الحكومة والحركات المسلحة من أجل وقف الحرب وتقديم الإغاثات الإنسانية اللازمة للمتضررين، ولا نربط بين الدعم الإنساني والحل السياسي الشامل إلا في إطار ما يمكن أن يحدثه التوافق في الجانب المتعلق بوقف الحرب، لذلك نميز ما بين الحوار من أجل وقف الحرب والحوار من أجل التسوية. في الجانب المتعلق بوقف الحرب نتوقع أن يصل الطرفان إلى رؤية مشتركة حول تقديم الإغاثات نتيجة ضغوط دولية.
{ وماذا عن المسار السياسي في المفاوضات والحوار؟
– في جانب الحوار مع أحزاب وقوى المعارضة نتوقع أن تلتحق بعض أطراف المعارضة- وليس جميعها- بالتسوية الجارية الآن بعد توحيد مساري الحوار الداخلي والخارجي.
{ هل بعض قوى الإجماع الوطني ضمن الأطراف التي ستلتحق بالتسوية؟
– نعم، بعض أطراف قوى الإجماع يمكن أن تلتحق بالتسوية.
{ كثيرون يصفون موقفكم في حزب البعث من الحركات المسلحة بأنه موقف عنصري ضد جهات وإثنيات تمثلها هذه الحركات؟
– لدينا موقف من الحركات المسلحة ليس عبر مكوناتها الإثنية كما يعتقد ويروج البعض. نحن لدينا موقف من العمل المسلح، رغم إقرارنا بأن هناك أسباباً موضوعية لحمل السلاح في مواجهة سياسات النظام، فحمل السلاح تنتج عنه كثير من الإشكالات الأمنية والسياسية والاجتماعية خاصة إذا تكونت الحركات على أساس جهوي وإثني في ظل واقع اجتماعي هش، فمن شأن هذا أن يفتح الباب أمام تهديد الوحدة شعباً وأرضاً، مثل ما حدث مع الجنوب، والآن هناك مطالبات من بعض الحركات بحق تقرير المصير والحكم الذاتي والوحدة الطوعية.. أضف إلى كل هذا أن حمل السلاح يفتح الباب أمام التدخل الدولي، وهذا ما حدث في “نيفاشا” ويحدث الآن عبر الآلية الأفريقية والسمسار “أمبيكي” الذي يخضع لإرادة أسياده الأمريكان، لذلك نقف ضد حمل السلاح وليس ضد المكونات الجهوية والإثنية لحملة السلاح، ونحن نتطلع لحوار معهم يفضي إلى توافق في كيفية إدارة البلد ما بعد إسقاط النظام حتى لا نعيد تجربة ما بعد انتفاضة (أبريل) التي رفضت خلالها الحركة الشعبية وقف الحرب، وعبر عن هذا (جون قرنق) بأن الانتفاضة هي (مايو 2).
{ ما دام هذا هو موقفكم.. فما هي أسباب وصف الكثيرين لموقفكم من الحركات بأنه عنصري؟
– كثير من الاتهامات الموجهة لحزب البعث غير صحيحة ولأصحابها مآرب أخرى معنية بموقف البعث الرافض للتسوية، الذي يكشف ويعري مواقف بعض الأحزاب والحركات في الخضوع للضغوط الدولية، لهذا السبب وُظفت قدرات كل هذه الأحزاب والحركات للهجوم على البعث واتهام مواقفه بأنها عنصرية تنطلق من النظر للآخر من زاوية إثنية، وهم أكثر من يعلم بخطأ هذا الاتهام، لكنها الزاوية الوحيدة التي يحاولون من خلالها الهجوم على البعث.