مشكلة النفايات بالعاصمة.. المسؤولون يشكون من قلة العربات والأيدي العاملة وشح الميزانيات ومن سلوك المواطن!
هناك خيار اجتذاب القطاع الخاص وإدخال شركات للعمل في نقل النفايات وإعادة تدويرها
نعم.. هناك اتجاه لتضمين رسم النفايات في فاتورة الكهرباء!
تحقيق – آمال حسن
التخلص من النفايات أو تكدسها، إن صح التعبير، أصبح يشكل هاجساً يؤرق المواطن ويدفعه للشكوى بصورة متكررة، بسبب تكدسها وانتشارها بعيداً عن المكبات، في منظر يثير النفور والاشمئزاز. ورغم تكرار تلك الشكاوى، إلا أنها لم تجد أذناً صاغية، أو تحرك ساكناً نحو حل هذا الإشكال جذرياً، ما دفع البعض إلى القول إن المحليات عجزت عن معالجة تلك القضية بصورة جذرية، من حيث الموقع والمواصفات.. وهناك فصل مختلف من فصول رواية النفايات داخل تلك المكبات، وهو الأكثر خطورة يسمى (النفايات الطبية) التي تنتج عن التعامل داخل المؤسسات الطبية، ثم يتم التخلص منها في مكبات عادية، وقريبة من المناطق السكنية، ما يعرض الكثيرين للأمراض الخطرة، وهو ما يطرح التساؤلات حول دور هيئة نظافة ولاية الخرطوم.
(المجهر) حملت تساؤلاتها عن الطرق الآمنة للتخلص من هذه النفايات، بعد أن عجزت المحليات عن توفير خدمة التخلص بصورة دورية، وغيرها الكثير.. وضعتها على طاولة الجهات ذات الاختصاص.. فماذا قالت؟
{ سلوك المواطن
مدير عام هيئة نظافة ولاية الخرطوم الدكتور “مصعب برير” قال لـ(المجهر) إن هناك نوعين من عمليات النظافة، نظافة الشوارع والميادين ونقل النفايات من الحاويات والمطاعم، ويتم بشكل يومي، بجانب جمع نفايات المنازل، إلا أن حجم إفراز النفايات كبير، ونعاني من سلوك المواطن في التعامل معها، إذ من المفترض عدم خروج النفايات من المنازل، إلا بعد سماع صافرة عربة نقل النفايات، ولكننا نجد الأكياس وقد أخرجت قبل يوم من موعد وصول العربة فتصبح بذلك عرضة لبعثرة الحيوانات الضالة، ومن ثم تساهم في اتساخ الحي، وقال: (حال التزام المواطن بإخراج كيس النفايات قبل لحظات من حضور العربة، فإن ذلك سينعكس على نظافة الحي، وأحياناً يخرج المواطن النفايات بعد حضور العربة، وقد لا يلحق بها، كما أن أصحاب الكافيتريات والمطاعم يخرجون نفاياتهم، بطريقة عشوائية).
{ أسطول متهالك
وأرجع مدير عام هيئة نظافة ولاية الخرطوم وجود النفايات بالشوارع إلى التعامل غير الحضاري، مشيراً إلى أنهم نفذوا مشروع إرفاق “سلال”، وأدوات أخرى مع عربة النفايات، لكي يستطيع العمال جمع النفايات المبعثرة بالشارع، مشيراً إلى أن عدد العربات غير كافٍ، وأن الخطة التي وضعتها الهيئة هي عربة لكل قطاع، لكي تتمكن يومياً من نقل النفايات، وأبان أن أسطول العربات متهالك، ويعمل منذ بداية المشروع في عام 2001م وقد حدث تجديد للعربات، لكن بصورة غير واسعة، بجانب حدوث أعطاب متكررة أثرت بشكل مباشر على نقل النفايات، واستدرك قائلاً: (إلا أن المحليات تجتهد في صيانة العربات). ودعا المحليات لمتابعة نظم النظافة بصورة دائمة.
وقال “برير” إن إستراتيجية ولاية الخرطوم للنظافة بدأ تطبيقها بخطوات ثابتة، وإن تدشين المنحة اليابانية في السادس من فبراير الماضي يعزز جهود هيئة نظافة ولاية الخرطوم بشكل كبير. ودعا القطاع الخاص للعمل في مجال النظافة.
{ التعامل مع شكاوى المواطنين
أوضح مدير عام مشروع نظافة محلية أمبدة الأستاذ “أحمد النور حسن” كيف تتعامل السلطات مع الشكاوى اليومية للمواطنين من تراكم النفايات أمام المنازل وفي الشوارع، مبيناً أنه وعلى مستوى الولاية يوجد الرقم “1956” وهو مخصص للاتصال من المحليات للتبليغ عن أية شكوى ومن ثم يتم تحويلها للجهة المختصة، كما توجد وحدات إدارية على مستوى المحليات. ففي محلية أمبدة مثلاً توجد (18) وحدة إدارية للنظافة وبها منسق للخدمات ومنسق اللجان، مهمتهما تلقي الشكاوى ومعالجتها، مثل الشكاوى المتعلقة بالعربات الناقلة أو الشوارع المغلقة.
{ معوقات العمل
سألنا الأستاذ “النور” عن عدد العربات العاملة وحجم النقص في الآليات والعربات، فضلاً عن الجهود المبذولة لتوفير العربات والآليات لولاية الخرطوم.. فأقر بأن هناك نقصاً في العربات نتيجة لقدمها لأنها خدمت لأكثر من (15) سنة، واستهلكت بما يكفي وحجم ميزانية التجديد للعربات لا يكفي، بجانب النقص في الأيدي العاملة لأن العمل في النفايات طارد، لا يستسيغه أو يتقبله كل الناس. وأشار إلى نقص في الميزانية المرصودة لنقل النفايات بالعاصمة، بسبب أن العائد المادي ضعيف وطبيعة العمل مضنية، كذلك يوجد نقص في الميزانية، فمثلاً في محلية أمبدة نحن نقوم بخدمة (160) ألف بيت، وعدد البيوت التي تدفع الرسوم حوالي (18000) بيت فقط، وذلك يعود لسلوك المواطن في عملية الدفع. ففي بعض البيوت المطلة على شارع الأسفلت تأتيهم العربة حوالي ثلاث مرات في الأسبوع، ومع ذلك لا يدفعون الرسوم.
{ إعادة تدوير النفايات
أيضاً سألناه عن صحة ما يتردد حول إدراج رسم النفايات في فاتورة الماء والكهرباء؟ فأجاب بالإيجاب، وأضاف إن هناك اقتراحاً بدمج رسم النفايات مع فاتورة الكهرباء، واستدرك قائلاً: (لكن حتى الآن لا يوجد تأكيد قاطع بذلك). كذلك هناك أسباب أدت إلى ضعف الميزانية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار قطع غيار السيارات، وهناك دعم يأتي من المحلية لكنه لا يكفي نسبة إلى ارتفاع عدد العمال، فنحن مثلاً ــ والحديث لـ”النور”ـــ ننقل في اليوم الواحد حوالي (12) ألف طن وهذا حجم كبير يفوق الإمكانيات.
وفيما يعنى بالخيارات والبدائل في مواجهة الوضع الراهن، وتقييم تجربة الفترة الماضية في نقل النفايات، والتخلص منها وتدويرها، قال مدير عام محلية الهيئة الإشرافية بمحلية أمبدة: (هناك عدة خيارات منها إدخال شركات للعمل في نقل النفايات للعمل على إعادة تدويرها والاستفادة منها، وهناك شركة تعمل في هذا المجال، فضلاً عن تجربة لإدخال شركات القطاع الخاص في هذا المجال، رغم أن مشاكلها كثيرة، وهناك بعض منها يعمل الآن). وتطرق إلى مخاطر حرق النفايات والأخطار التي تترتب عليها، فقال: (بالفعل، ونحن نبتعد عنها لأنها تضر كثيراً بالبيئة، ولدينا أكياس يتم توزيعها على المواطنين، وهناك محرقة للنفايات الطبية في المستشفى السعودي).
{ غرامات مالية
ونفى “النور” ما يتردد بأن النفايات الطبية يتم التخلص منها في “جبل طورية”، مبيناً أن ذلك كان في أوقات فائتة. الآن- كما قال- أي مستشفى بها مجمع للنفايات يتم إرسالها لمعالجة النفايات الطبية، جوار المستشفى السعودي، حيث يتم تعقيمها ومعالجتها لتصبح غير ضارة، ومن ثم ترحل للمردم. وهو في الماضي لم يكن موجوداً، وهناك إدارة في وزارة الصحة تسمى إدارة النفايات الطبية تختص بهذا المجال. وأكد فرض غرامات للمخالفات من قبل المواطنين الذين يكبون النفايات في الشارع.
وفي سياق جهود الولاية لمعالجة مشكلة النفايات، أجرت اتصالات ولقاءات، في الفترة الماضية مع إدارة التعاون الدولي للبيئة اليابانية “جايكا”، التي وعدت بدراسة تطوير جهود ولاية الخرطوم في مجال النفايات الطبية والخطرة، إذ التقى مدير عام الوكالة “ياموشي كونيهير” بوفد زار اليابان برئاسة رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية اللواء “عمر نمر”. وعقدت بين الوفدين السوداني والياباني جلسات التفاوض في الملف البيئي، وقدم كل طرف الجهود التي تبذل في مجال تعزيز نظم نظافة ولاية الخرطوم وأولويات المرحلة المقبلة من عمر الشراكة بين الجانبين، وقال “كونيهيرو” في نهاية الاجتماعات إن جدية حكومة الولاية فيما يتعلق بالنظافة وإجازتها لبروتوكول استخدام المنحة المقدمة من اليابان، يعد أكبر دافع لـ”جايكا” للتخطيط لاستمرار التعاون المشترك في المشروع استناداً إلى الخطة الإستراتيجية المجازة. ووجه “كونيهيرو” خبراء الوكالة بالبدء فوراً في دعم خطوات التوسع في المحطات الوسيطة وتأهيل مرادم ولاية الخرطوم الخاصة بالنفايات. من جانبه، نقل “نمر” شكر حكومة الخرطوم لـ”جايكا” لدعمها المقدر لعدد من المشاريع الخدمية المهمة، وأعرب عن تطلعه لمزيد من التعاون خاصة من مجال المحطات الوسيطة والمرادم وتوليد الطاقة الكهربائية من النفايات ونظام معالجة النفايات الطبية والخطرة.
وفي السياق، أكد وكيل وزارة البيئة دكتور “عمر مصطفى” عزم الوزارة على تعميم تجربة “جايكا” في مجال تعزيز نظم النظافة في جميع ولايات البلاد بعد النجاح المقدر الذي أحرزته بالخرطوم، وأضاف: (لقد بدأنا بولاية كسلا التي أسست حديثاً هيئة للنظافة بدعم فني من ولاية الخرطوم).