(المجهر) تفتح ملف الغائبين.. أين هم؟ ومن نسج حولهم خيوط الظلام
من حكايات الذين خرجوا ولم يعودوا
علامة استفهام تقف خلف اختفاء البروف “عمر هارون” وشقيقه يؤكد أنهم ماضون في سبل البحث
“التيجاني” شقيق الغائب لـ(المجهر): نسعى مع رابطة أبناء “الجوامعة” والمحامين لتحويل الملف من الجنائية العامة إلى المدعي العام
وفاة والدة البروف قبل ستة أشهر بعد إصابتها بفقدان الذاكرة عقب فقدها لابنها ولحقت بها شقيقتها
اختفاء شاب منذ 2003م عقب سفره إلى ليبيا وانقطعت أخباره بعد هجرته إلى إحدى الدول العربية
شقيق الغائب: لم نكف عن البحث طيلة المدة الفائتة ونناشد عبر (المجهر) الجهات المعنية للتدخل
والدة الغائب أصيبت بالعمى جراء الدموع التي ذرفتها طيلة السنوات الفائتة
تحقيق ــ أمل أبو القاسم
{ النزهة الأخيرة
إن قصة اختفاء البروفيسور “عمر هارون الخليفة” قصة جهيرة ظلت متداولة في الأجهزة الإعلامية والفضاء الإسفيري منذ أن خرج في نزهته الأخيرة من منزله بحي الصافية بمدينة الخرطوم بحري، ولم يعد في يوم جمعة من شهر سبتمبر من العام 2012م. وتقول القصة المحزنة: إن البروفيسور “عمر” خرج ليتمشى على النيل وهي رياضة درج على ممارستها، كان ذلك عند الثالثة بعد الظهر بعد أن قطع وعداً مع زوجته السيدة “إخلاص عشرية” وأسرته للعودة ليلتئم معهم في وجبة الغداء، لكنه خرج ولم يعد، وعُرف عنه- أي هارون- اعتياده الجلوس أمام بائعة شاي برفقة صديق له. وعندما تأخر “هارون” عن الموعد الذي ضربه مع أهل بيته وتجاوزها بما يبعث على القلق خرجوا للبحث عنه وكان مقصدهم النيل الذي توجه إليه بزيه الرياضي، وهناك فوجئوا بحديث بائعة الشاي التي أكدت لهم حضور الغائب في نفس اليوم لكن بمفرده دون رفقة صديقه المعهودة، حيث تناول معها الشاي وأكدت لهم أن البروفيسور “عمر” غادر بعدها المكان في اتجاه كوبري شمبات.
{ سيرة ذاتية مشرفة
سيرة المفقود الذاتية الباذخة هي التي جعلت الإعلام يهتم بغيابه المفاجئ والغامض فالدكتور “عمر هارون الخليفة الحسن” مولود بمحلية الرهد بولاية شمال كردفان في العام 1962م، درس المرحلة الثانوية في مدرسة (خور طقت) ثم حصل على درجة بكالوريوس الشرف من جامعة الخرطوم في العام 1985م، وماجستير القياس النفسي من نفس الجامعة وحصل على درجة الدكتوراه في تخصص علم النفس من جامعة (نيوكاسل أبون تاين). وشغل بعد ذلك مقعده كأستاذ لعلم النفس بكلية الآداب جامعة الخرطوم حتى وقت اختفائه بعد أن كان أستاذاً زائراً لكلية الدراسات البيئية والإنسانية (جامعة كيوتو) اليابان. وكانت له مساهمات أكاديمية، وأستاذ مساعد لقسم علم النفس بكلية التربية في جامعة البحرين.
قدم البروفيسور “عمر هارون” العديد من الدراسات والاكتشافات العلمية الدقيقة خلال مسيرته العلمية، كان أهمها اكتشافه لأول تجربة سيكولوجية في تاريخ علم النفس التجريبي ترجع للقرن الحادي عشر الميلادي، وذلك في كتاب (المناظر) لـ”أبن الهيثم”، بينما أول التجارب في تاريخ علم النفس التجريبي كانت في ألمانيا عام 1879م، بجانب اكتشافه في العام 2003م حالة أول طفل خارق في العالم (8 سنوات) في مجال الفضاء، بينما تم اكتشاف حالات الأطفال الخوارق في الغرب في مجال الموسيقى، الرسم، الرياضيات، الميكانيكا، الشطرنج والكتابة، فضلاً عن عدد من المساهمات المنشورة في الدوريات العربية.
تم تعيينه مستشاراً بوزارة العلوم والتقانة في عهد وزيرها البروفيسور “الزبير بشير طه”، عرف بالاستقامة الأخلاقية والخلق الرفيع وسط معارفه وهو متزوج وأب لبنتين وولد.
{ الأسباب المحتملة للغياب
يقول شقيقه “التجاني” في إفاداته لإحدى الصحف إن شقيقه البروفيسور ليس له أدنى درجة من العداوة مع أحد، غير أنه عاد وألمح إلى أنه كان قد طرح برنامجاً للحساب الذهني بإحدى القنوات الفضائية المحلية خلق له جملة من الإشكالات مع عدد من الجهات لم يسمها، وأضاف إنهم استنبطوا من طريقة المداخلات الخشنة أثناء بث البرنامج أنها ربما قادت إلى استهدافه، ونفى أن يكون البروفيسور قد ترك وصية ذات صلة بخروجه وأن الوصية التي عثرت عليها زوجته وسط مستنداته تختص بتوزيع ممتلكاته على أبنائه دون أن يبين “التجاني” تاريخاً لكتابتها.
مدير المباحث السابق اللواء “عابدين الطاهر” أفتى بأن البروفيسور أراد أن يُكتب في عداد المفقودين طواعية واختياراً نتيجة تعرضه لمضايقات من إحدى الجهات، إذ أراد أن يختفي عبر هذا السيناريو لحين انتهاء المضايقات!! وأضاف إن البروفيسور اختفى وأحد أفراد أسرته يعلم مكانه، على أن يظهر في وقت لاحق بعد انتهاء هذه المضايقات.
{ ابتزاز وتأويلات
وكشأن أي اختفاء لأي شخص، طفلاً كان أم بالغاً، ينشط الابتزاز ويبدأ الخيال الشعبي في إعمال فكره وإنتاجه لتكهنات لا مكان لها سوى في خيالهم المريض. ففي نوفمبر 2013م أرسل مجهول رسائل إلى هاتف شقيق البروفيسور “عمر” أكد من خلالها أن البروفيسور في معيتهم وأنهم يطلبون نصف مليار لإطلاق سراحه بعد أن نجحوا في اختطافه، وبتبليغ الأجهزة الأمنية تم التوصل إلى المتهم بإرسال الرسائل وبعد تقديمه للمحاكمة تم إطلاق سراحه بالبراءة من تهمة الاختطاف لضعف الأدلة.
{ سيناريوهات الاختفاء
من جانبهم، حدد المراقبون فوق ذلك بعض المحاور كسيناريوهات لهذا الاختفاء الغامض.. المحور الأول منه هو الانتحار وهو أمر نفاه البعض حينما أكدت الشرطة أنها ولمدة تجاوزت الخمسة أيام بحثت في مياه النيل من الخرطوم حتى الشمالية دون أية نتائج.. والثاني أن يكون منقطعاً في إحدى دور العبادة غير أن هذا المحور يضعف أمام ذلك البحث التمشيطي الذي شمل العديد من المساجد المحتمل ولوجه إليها فلم يُعثر عليه.. أما المحور الثالث أن تكون قد اختطفته دولة أجنبية وهو محور تعوزه الأدلة ويحتاج للبراهين.. والرابع هو أن يكون معتقلاً في جريمة سياسية أو جنائية غير أن هذا الاحتمال سقط بعدم وجوده في أي من المعتقلات أو الحراسات أو السجون.. أما الخامس فهو أن يكون مختفياً من نفسه وهو أمر يرجحه البعض كما يرجحون مقتله وإخفاء جثته.
{ اجتماع رابطة أبناء “الجوامعة”
وللوقوف على آخر مستجدات اختفاء البروفيسور “هارون” وما إن كانوا قد توصلوا إلى خيط أو معلومة بشأنه، أم أنهم سلموا واستكانوا للأمر في انتظار الفرج من عند الله، سألت (المجهر) الأستاذ “التيجاني هارون” شقيق البروف “عمر” فنفى وقوفهم مكتوفي الأيدي حيال القضية التي شارفت على الخمس سنوات وهم يرون الصمت المطبق من قبل الجنائية العامة، وأبان على خلفية سؤال (المجهر) عن إلى أية مرحلة وصلت القضية وما إن كانت مفتوحة حتى الآن أم أغلقت؟ أبان أن كل ما فُعل هو تحويل الملف من الجنائية بحري إلى الجنائية العامة لكنهم الآن وبمعية رابطة أبناء الجوامعة بالرهد ومحامين بصدد تحويل الملف إلى وزير العدل الجديد (النائب العام)، وقال: (ظللنا طيلة الفترة الفائتة ننتظر ما سيسفر عنه التحقيق دون فائدة أو بارقة أمل، لكننا من الآن وصاعداً لن نركن للسكون والصمت، وقد اجتمعنا عقب عيد الفطر المبارك مع الرابطة لتحريك القضية وإبرازها مجدداً إلى السطح، لأن الصورة ما زالت قاتمة وليس هناك خبر أو مجهود واضح من قبل المباحث).
{ الغياب المفجع
ولأن أول المتأثرين والمفجوعين بالغياب هي الأم سيما في حال كان الغياب غامضاً والمصير مجهولاً فلا هو بالحي ولا بالميت، ولعل الاحتمال الأخير هو الأكثر راحة لكليهما لذا فكثيراً ما تفجع وتصاب بأي من المصائب وفاة، أو عمى، أو شلل، أو مرض مزمن وغيرها من الملمات.. وعليه مع التمنيات بالصحة والعافية والتماسك والجلد لأمهات المفقودين سألنا الأستاذ “التيجاني هارون” عن مدى تقبل والدتهما لهذا الغياب فقال بأسى إن الوالدة كانت مقربة جداً من ابنها “عمر” الذي كان في معيتها بالبلد خامس أيام العيد ثم عاد ليختفي في اليوم الثاني الموافق سادس منه، لذا فقد كان الأمر قاسياً عليها وطلبت إحضارها إلى منزله ببحري وظلت مدة (13) يوماً ثم أعدناها للبلد، ومن وقتها والوالدة فقدت الذاكرة وآثرت الصمت إلى أن أسلمت روحها لبارئها قبل ستة أشهر.
وزاد “التيجاني”: (ليست الوالدة فقط من تضرر حد الوفاة بافتقاد عمر وإنما خالته أيضاً التي صمتت أسوة بالوالدة حتى توفيت ولحقت بشقيقتها لحبهما للمفقود).
اختفاء الشاب “ميرغني”
وهذا نموذج لشاب اختفى بغتة عن ناظر والديه، ولم تحتمل والدته فأعماها كثر البكاء وذرفها الدمع الثخين. وإن كان سبب الغياب مغايراً للقصص التي ضمن التحقيق، لكنه نموذج لأولئك الذين يسعون لحصد المال وتأمين المستقبل عبر الهجرة التي تتحول إلى واقع اليوم لا يستشعره المهاجر بقدر تألم ذويه. وقد غادر الشاب “ميرغني خالد عبد الله ضرار” من أبناء نهر النيل إلى خارج البلاد بعد تخرجه في الجامعة وهو يحلم بتحقيق حلمه في الهجرة والبحث عن عمل ووظيفة تحسن من وضعه ووضع الأسرة، لكنه خرج ولم يعد.
سافر “ميرغني” وهو ابن الخامسة والعشرين متوجهاً إلى ليبيا في العام 2003م لتكون محطة انطلاقته إلى أوروبا في العام 2007م ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن انقطع عن أسرته التي لا تعلم مصيره.
{ عندما تجف الدموع
يقول شقيقه الأكبر “بابكر” لـ(المجهر) إن أسرته أرهقها البحث عنه ولم تجد له عنواناً أو وسيلة اتصال، اللهم إلا من بعض الأقاويل التي تتردد هنا وهناك من أبناء المنطقة الذين يأتون للوالدة ويؤكدون أنهم رأوه في فرنسا وغيرها، لكن ليس هناك ما يؤكد ذلك أو يتحصلوا على معلومات حقيقية عن شقيقهم. وأضاف إن والدته الحاجة “شامة عثمان ضرار” باتت في حالة يرثى لها حد أن جف نبع مقلتيها جراء الدموع الغزيرة التي ذرفتها وفقدت بصرها.. وطالب “بابكر” عبر صحيفة (المجهر) الجهات المعنية بمساعدتهم في توفير أية معلومة توصلهم إليه، كما ناشد القائمين على برنامج (ألو مرحبا) بقناة النيل الأزرق تسجيل حلقة مع أسرته علها تساهم في لم الشمل.