* مبدعون تتوزعهم قوائم اهمال الدولة ونسيان الاصدقاء وتجاهلهم !
* صندوق رعاية المبدعين : هناك أسس ومعايير للمبدع يجب استيفائها حتى تتم رعايته
* السموأل خلف الله : المبدعون وجد تكريما من الدولة أكثر من غيرهم …!
تحقيق – هبة محمود
بالرغم من تلك الهالة الإعلامية التي كانت تحيط باسمه يوماً ما، إلا أنه ربما لو عاد به الزمان للوراء قليلاً، لما تخيل أن هذا الاسم يمكن أن تتضمنه قائمة الإهمال ويصبح نسياً منسيا في أحد الأيام، ولكن في بلادي دائماً ما يشفع للمبدع بريق نجوميته الذي ما أن يأفل حتى يختفي بعد ذلك من الأنظار، ويخرج من القلوب ليحتل موقعاً قصياً في ركن النسيان، وهذا ما يواجهه صاحب القدح المعلى في برامج المنوعات والمسابقات في الوطن العربي الأستاذ “حمدي بدر الدين”، الذي أدبرت عنه الدنيا وأصبح وحيداً يجابه المرض والأحزان ونكران الجميل ، بعد أن قام ببيع عربته ليغطي تكاليف علاجه ،عند إصابته بالجلطة وتعرضه للشلل الكامل، وعندما أعطاه القمسيون الطبي تصريح سفر للعلاج بالقاهرة، تكفل بنفقات علاجه ابن أحد أصدقائه، وعند عودته للبلاد دفعت له وزارة الإعلام ثلاث دورات، كل دورة بتسعمائة جنيه، يعني بواقع 2700 جنيه فقط..
والشاعر “محجوب سراج”، أيضاً لا يقل إهمالاً ونسياناً عن “صاحب فرسان في الميدان”، فـ (سراج) أفنى بريق عينيه وهو يخط جميل الأشعار التي رفد بها مكتبة الأغنية، إلا أنه عقب تعرضه لفشل في (شبكية) عينه فقد بصره تماماً، وأصبح يعيش في ظلمات الإهمال، ويشكو إهمال الدولة له.
وفي الخاطر يطل كذلك الكاتب والممثل القدير “صديق مساعد” أحد رواد العمل الدرامي في الإذاعة والمسرح، الذي توافد على تشييعه بعد معاناته مع المرض عدد قليل من الإذاعيين وغياب تام للعاملين بالتلفزيون القومي، وكذا الشاعر والتشكيلي والقاص والمسرحي صاحب رواية راحيل “محمد حسين بهنس”، هو أيضاً أحد المبدعين ، وقد عثر عليه متجمداً في أحد شوارع القاهرة ميتاً من البرد، تتقاذفه أمواج الإهمال، وغيره الكثير من أهل الإبداع، الذين تشملهم القائمة، وهؤلاء على سبيل المثال لا الحصر.
ليست مرارات الاهمال وحدها:
ليست مرارات الإهمال وحدها من أجهزة الدولة المعنية، هي ما يتجرعها المبدع فحسب، بل يؤلمه أيضاً إلى حد كبير، انطفاء ملامحه في ذاكرة رفقاء الشهرة ومتذوقي شهدها ، الذين لم ينفكوا يتمتعون بها وهم يحيطون به، واللاعب “حمد الجريف”، لفت في أحد لقاءاته إلى أن الناس سريعاً ما تنسى المبدع ، حال انتهاء نجوميته ولا يتذكره أحد. وزوجة الملحن “الفاتح كسلاوي”، أشارت في حديث لصحيفة (قوون)، أن زوجها عندما كان يعاني سرطان الرئة ،عانى من الوحدة وعدم الاهتمام من أصدقائه، الذين لم يكلفوا أنفسهم رهق زيارته في المستشفى، وذكرت أنها عندما لم يقم أحد بزيارته اعتقدت أنهم ربما لم يكونوا على علم بمرضه، فقامت بالاتصال على أحد الشعراء تخبره ، فما كان منه إلا أن أجابها قائلاً “دا مرض الموت فادعو له بالشفاء، ونحن بندعي ليه ،ولو نقصت ليكم روشتة في العلاج ،جيبيها لي أنا بحلها ليكم”!
غياب التكافل والتضامن :
الصحفي والناقد الفني “الزبير سعيد”، ألقى باللائمة على ما اسماه بـ (الكيانات الهشة) المتمثلة في الاتحادات التي ينتمي إليها المبدعون في شتى مجالاتهم المختلفة، مؤكداً لـ(المجهر) أنها ليست سوى لافتات، تفتقر للإمكانيات وتفتقر لروح المبادرة ولا تهرع لتفقد المبدعين من عضويتها إلا عبر مبادرات فردية، مشيراً إلى أن المجتمع أصبح يعاني من (ذاكرة السمك) التي تجعل المبدعين في طي النسيان، وقال: إهمال المبدعين وتهميشهم واحد من أهم الإشكالات التي يتعرضون لها في كثير من دول العالم، والمبدعون في السودان ،متعففون ولا يسألون الناس إلحافاً، ومن المفترض أن تلقي الدولة ومؤسساتها بالها لهم ،وتعمل على كفايتهم، لان أصعب ما يؤلم المبدع هو التجاهل، وزاد: الدولة التي تهمل مبدعيها لا تقرأ المستقبل قراءة صحيحة، وأعتقد أنها تراهن على خيول عرجاء.
محدثي استطرد متسائلاً: عن الأسس والمعايير التي يتم عبرها اختيار وتكريم عدد من الرموز والمبدعين من خلال برامج التكريم في شهر رمضان، مؤكداً أن التكريم، أحياناً، يمكن أن يتجاوز شخصاً في أمس الحاجة لجرعة دواء، وقال: للأسف أصبحنا نخلط ما بين الواجب والانجاز.
أكثر القطاعات تكريما من قبل الدولة :
ويرى صاحب مؤسسة أروقة الأستاذ “السمؤال خلف الله” أن أكثر قطاع نال تكريماً من الدولة والمجتمع هو قطاع المبدعين دون غيره من القطاعات الأخرى، مؤكداً لـ(المجهر) أن الدولة لا تستطيع أن تقول ذهبت لفلان وأعطته كذا وكذا، وقال: لو ذهبتم لرئاسة الجمهورية لوجدتم إحصائية كبيرة لمن ساهمت الدولة في مساعدتهم، ستجدون أنهم هم الذين ساهمت في علاجهم، والذين تم منحهم قطع أراضٍ سكنية وسيارات وغيرها.
وعن دور مؤسسة أروقة في تكريم المبدعين لفت إلى أنه جهد محدود تقوم به المؤسسة وفق ما يتأتى لها.
تساؤلات على طاولة صندوق المبدعين:
عدد من التساؤلات أودعتها (المجهر) طاولة الصندوق القومي لرعاية المبدعين، الذين أكد القائمون على أمره أن المبدع وفقاً لقانون الصندوق لديه أسس ومعايير محددة حتى تتم رعايته، وهي أن يكون قومياً ولديه أعمال أقلها 20 عملاً على سبيل المثال. وأشار “أبو عبيدة عطية الله” مدير الشؤون المالية والإدارية للصندوق في حديثه لـ (المجهر) إلى أن الصندوق يقوم بدعم حوالي 50 طلب شهرياً، توالت في الارتفاع إلى أن أصبح في مواجهة 127 طلباً ناهيك عن وجود حوالي من 4 إلى 5 حالات يتكفل بدفع مرتبات شهرية لها، لافتاً إلى أن غالبية الطلبات تتمثل في علاج وإيجار وسكن شعبي، مؤكداً سعيهم لبناء مدينة الإبداع، التي يتم من خلالها تمليك المبدعين منازل حسب حاجتهم.
وعن الكيفية التي يتم بها دعم المحتاجين من المبدعين، أكد محدثي أن دعمهم يتم بتزكيتهم من قبل الاتحادات والكيانات التي ينتمون، مشيراً إلى عدد من الشكاوى التي تصلهم من البعض عن وجود خلافات بينهم وبين اتحاداتهم التي لا تقوم بتزكيتهم رغم حاجتهم، مؤكداً أنهم في هذه الحالة يستوثقون بطرقهم الخاصة ويعملون اللازم إن صح ما يقولون، وفي معرض سؤالنا عن إمكانية تغيير عمل الصندوق دون تزكية الاتحادات حتى يصل لكل المحتاجين، أكد أنهم عمدوا إلى تزكية الفنان من قبل الاتحاد الذي ينتمي لعدم استطاعتهم الوصول إلى الجميع وباعتبار الاتحاد كياناً ينتمي إليه المبدع.
وفيما يتعلق بدعم الصندوق في شهر رمضان ، قال “أبوعبيدة” إنهم في العام الفائت من شهر رمضان، قاموا بزيارة 60 مبدعاً في منزله ،وتقديم مبالغ تتراوح ما بين 2000 جنيه إلى 5000 ألف، بخلاف المساهمات التي تم تقديمها للمبدعين الذين حضروا إلى موقع الدار والتي كان أقلها مبلغ 1000 جنيه، وتبعها توزيع خراف عيد الأضحية لمائة مبدع، وأكد أنهم هذا العام قاموا بتوزيع 500 كيس صائم على المبدعين.