بعد.. ومسافة
“الجنائية” تؤجل ذكرى 19 يوليو 1971م
مصطفى أبو العزائم
في مثل هذا اليوم قبل (45) عاماً انقلب مجموعة من ضباط القوات المسلحة على الرئيس “جعفر محمد نميري”، الذي استولى هو نفسه على السلطة بانقلاب عسكري في الخامس والعشرين من مايو 1969م، وقد كانت مسيرة الانقلاب الذي قاده الرئيس الأسبق “جعفر نميري” محفوفة بالمخاطر والتحديات والمواجهات الحادة والعنيفة مع كل القوى السياسية التي كانت تحكم أو تلك التي كانت تأمل في تولي الحكم، وقد ضم مجلس قيادة الثورة الذي ترأسه العقيد أركان حرب “جعفر نميري”، ضم ممثلين للقوى الثورية- بلغة ذلك الزمان- أكثرهم من اليسار السوداني والقوميين العرب، لكن محاولة تسيير البلاد من تحت غطاء مجلس الثورة لصالح الحزب الشيوعي السوداني أدى بالرئيس “نميري” إلى عزل ثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة في 16 نوفمبر 1970م كانوا يمثلون واجهة اليسار الراديكالي داخل المجلس وهم: “هاشم العطا”، “فاروق حمد الله” و”بابكر النور”، لكن تلك الإطاحة كان لها ما بعدها، إذ قادت أولئك المطاح بهم إلى الانقلاب على النظام الذي كانوا جزءاً منه والعمل على (تصحيح) مساره، لكن انقلابهم لم يعمر كثيراً، إذ تم إسقاطه بعد ثلاثة أيام فقط، سالت خلالها وبعدها دماء كثيرة وأزهقت أرواح عديدة، وقام النظام بـ”شيطنة” الحزب الشيوعي وأعلن الحرب عليه وأعدم قياداته وهز كيانه هزّاً عطل نموه كثيراً.
تناول التاريخ السياسي السوداني فيه متعة ودروس وعبر، لكن التفحص في الواقع الماثل يكون أجدى في بعض الأحيان، خاصة إذا ما ارتبط بحياة الناس وأمنهم واستقرار دولتهم وتهديد رموزها الوطنية التي تمثل السيادة وحرية التوجه، لذلك نجد أن منطق الأحداث يقدم الحديث على القديم، والحاضر على الماضي، فنجد أنفسنا ننقاد للكتابة عن أكبر فضائح القرن، وهي فضيحة الرِشى والفساد التي تواجه قضاة ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية وليس من بينهم من مارس مهنة القضاء في وطنه الأم، إذ إن أسس الاختيار لهذه المحكمة تتم وفق معايير لا علاقة لها بالعدالة، وقد كان لنا موقف واضح من هذه المحكمة (الألعوبة) منذ وقت بعيد، ومنذ أن اتخذت قرارها المعيب بالقبض على الرئيس “عمر حسن البشير” من واقع اتهامات تحركها دوافع سياسية لا علاقة لها بالعدل أو الواقع منذ أيام سيئ الذكر المدعي العام السابق لما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية “لويس مورينو أوكامبو”، والذي بذل جهداً جباراً من أجل إلصاق تهمة جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية بالرئيس “عمر البشير”، الذي ذهب إلى القول إن عدم القبض على “البشير” واعتقاله هو تحدٍ لمجلس الأمن.
الآن تتحرك الجنائية الدولية منزعجة تحت بركان الفضيحة.. نعم.. فضيحة الفساد والرشوة التي تواجه رئيسة المحكمة الجنائية الدولية “سيلفيا اليخاندرا فيرنانديز دي غورماندي” الأرجنتينية بالإضافة إلى وريثة “أوكامبو” في وظيفة المدعي العام الغامبية- “فاتو بنسودا” التي جاءت ببغاءَ يردد ما كان يقول به “أوكامبو” دون اجتهاد أو مجهود يذكر أو يحسب لها، لكن الفضيحة كانت في ما انكشف الغطاء عنه مؤخراً بتلقي رئيسة المحكمة ومدعيتها العامة “فاتو بنسودا” لملايين الدولارات لشراء شهود زور للتأكيد على تورط الرئيس “البشير” في تلك الاتهامات التي لم تحسن المحكمة ولا الذين هم من ورائها ضبطها وصياغتها القانونية والمنطقية، حتى عرف كل من له إلمام قليل بمبادئ العدالة أنها اتهامات باطلة مبنية على باطل من أساسها، وانكشف للعالم كله ولدول العالم الثالث المستهدفة أصلاً بهذه المحكمة أن جوهر عمل هذه المحكمة باطل ويقوم على أرضية سياسية بحتة لا علاقة لها بالعدالة، ولا صلة له بالشفافية والأخلاق، وأنها ليست أكثر من مؤسسة منهارة في سلوكها ووظيفتها وأخلاق قضاتها (المرتشين).
لابد لنا من أن نحمّل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية معاناة السودان وشعبه، ومحاربته من أجل التواصل مع العالم بسبب الحصار الظالم الذي يقع على بلادنا وتزعم “واشنطن” أنه موجّه ضد النظام، في حين أن الذي يعاني هو الشعب السوداني بأكمله، بينما (تسرح) الولايات المتحدة الأمريكية و(تمرح) في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وغيرها باسم العدالة والإنسانية وحقوق الإنسان، تفعل ما تريد وما ترى أنه يحمي أمنها وأمن إسرائيل ولا يحق لأحد أن يحاسبها على جرائمها لأنها لم توقع على ميثاق “روما” بحيث لا تكون ملزمة بما يسمى بالجنائية الدولية لكنها تريد إلزام غيرها بها.. الصحافة والإعلام العالمي الآن يعملان على كشف تفاصيل الفضيحة والرسوم الكاريكاتيرية تملأ الصفحات وتسخر من الجنائية وقضاتها المرتشين.. وهذه فرصة السودان وقانونييه وساسته للتحرك السريع لفضح هذه المحكمة الكذوب ولنبدأ بأهل البيت في قارتنا السمراء أفريقيا، لأنها هي المستهدفة حتى وإن كان على رأس المحكمة قاضية أفريقية.