وكفى بالموت واعظاً!!
نتحارب ونتشاكس ونتآمر في هذه الدنيا، والكل يعلم أن الموت أقرب إليه من حبل الوريد، ورغماً عن ذلك لا يتعظون ويتشبثون بالحياة وكأنها دائمة، ولا يعلمون أن شهقة واحدة تكون الروح قد ذهبت إلى بارئها.
مساء (الجمعة) وأنا بالقرب من مستشفى امبريال لمحني ابن عمي اللواء جمارك “عبد المنعم طلحة”، فسألته عن سبب وجوده، فقال لي بأن المهندس ابن عمنا “سيف الدين عثمان أحمد دفع الله” أُدخل مستشفى امبريال بوعكة خفيفة، فاستعجلت الصعود إلى مقر إقامته بالمستشفى، فعلمت أنه بالعناية المكثفة، انتظرت أمام باب العناية ريثما يخرج الطبيب أو أي شخص من الداخل لرؤيته، كان بجواري ابنه “مصعب” وأبناء إخوانه، لم نتوقع أن تلك هي لحظات الفراق لما يتمتع من صحة وعافية، وأن دخوله المستشفى جاء عارضاً قد يخرج بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، لم تمض دقائق حتى فتحت الطبيبة باب غرفة العناية المكثفة، وطلبت شخصاً واحداً أن يدخل لرؤيته، فقلت لها أنا أخوه سأدخل لأراه، دخلت ولكن قبل أن أذهب إلى السرير الذي يرقد عليه، طلبت مني ودكتور آخر الجلوس على الكرسي، ووقتها أحسست أن الأمر خطير، وإلا لماذا هذا الإلحاح على الجلوس وليس الذهاب لرؤيته، سألتها عن صحته، فقالت لي كشف عليه طبيبه، وقال هناك انهيار حاد في الدورة الدموية، والآن تجرى له عملية تنفس صناعي، وقد شاهدت من مسافة قريبة عملية التنفس له، فقلت الموت حق ونحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، فإن كان قد مات فأخبروني، فقالت لي بس أدعوا الله له، خرجت من العناية وقد تأكد لي أنها لحظة وسوف يفارق الباشمهندس “سيف الدين” هذه الدنيا، اتصلت بابن عمي اللواء “عبد المنعم”، فقلت له أين أنت الآن؟، فقال أنا في الطابق الأول، فقلت تعال لي أنا بالرابع، فجاءني مسرعاً فقلت إن حالته متأخرة، لكن نسأل الله أن يرفعه، فقال نذهب للصلاة ذهبنا سوياً، وبعد الصلاة خرجت ووجدت ابنه “مصعب” خارج المصلى الصغير بالمستشفى، فقال لي الدكتورة بتسأل عنك، هناك أحسست بشدة الخوف والاضطراب، فجلست على كرسي ريثما ينتهي “عبد المنعم” من الصلاة، وبعدها ذهبنا إلى غرفة العناية، ففاجأتني الدكتورة وقبل أن تقول لي أي حديث (الفاتحة) رفعتها معها، وسألت الله أن يتغمده برحمته الواسعة وأن يغفر له، فقلت في نفسي هل هذه الدنيا التي يتشاكس الناس فيها ويأكلون أموال بعضهم بالباطل ويتحاربون من أجلها، ألم يعظهم الموت الذي بات في ثانية ويودع المرء كل ما يملك فيها من مال أو جاه، لماذا لا يتصالح الناس مع أنفسهم ومع الآخرين؟!