قرية معيجنة بالجزيرة قصة مأساة صامتة
(13) ألف مواطن بلا خدمات صحية ومستقبل
زراعي ينذر بالفشل
تحقيق – نجدة بشارة
كانت تغزل خيوطاً للأحلام فها هو طفلها الأول على عتبات الحياة، والأسرة تعد العدة لاستقباله في همة دءوبة، وفي تلك الليلة عندما فاجأها المخاض كانت صرخات الاستغاثة تعلو عليها أصوات الرعد العاتية، والأمطار تتساقط كأنها قادمة من آلاف الأبواب، انقطعت القرية عندئذٍ عن الحياة وسالت الترع متدفقة لتسد الطريق أمام أي خطوات. وأقرب مركز طبي يبعد (40 – 60) كيلو متراً، والأمطار والرياح اجتمعا، ولكن زوجها لم يتحمل صرخاتها وأنينها فحملها على ظهره يكابد المطر ولزوجة الطين يرافقه بعض فتيان القرية، وعندما سكت أنينها أغمضت جفنها فحسبها الرفقاء بأن لسعات الألم انخفضت لديها، وليكتشفوا أنها فارقت الحياة تاركة خلفها قصة مأساة لفتاة رسمت كثيراً من الأحلام، ولتفتح الجرح عميقاً بأن قرية معيجنة بالجزيرة التي تبعد عن مدينة مدني (60) كيلو متراً والخرطوم (221) كيلو متراً لا توجد فيها أي خدمة صحية، فهناك الموت يحلق كالغربان الناعقة تنتظر فريستها ما أن يلزم المريض الفراش الأبيض.
وكان مركز (أبو هيام) للخدمات الصحفية قد نظم منبره الدوري بقرية معجينة مصطفى بالجزيرة في بادرة من المركز للخروج إلى الولايات التي تناستها الحكومات أو تحاول أن تتناساها قسراً، ليقف شاهداً على عظمة وتكاتف أبناء المنطقة الذين ساهموا ولم يبخلوا بجهدهم ومالهم من دول المهجر للنهوض بالقرية.
أين حكومة الولاية
هذا السؤال ظل يجول بخاطري وأنا أتنقل وزملاء المهنة داخل القرية نستشف شظف العيش ومعاناتهم، وأكد القيادي من أبناء المنطقة “محمد سعيد سليمان” أن أبناء القرية من دول المهجر دفعوا مليارات الجنيهات لبناء المركز الصحي. وقال اكتمل بناء المركز ولكن يظل حجرات مغلقة فاخرة تخلو من المعدات والكادر الطبي، وقال إن مسؤولاً رفيعاً بوزارة الصحة كان قد وعدهم بالتبرع بكل الأجهزة والمعدات الطبية، إلا أن وعوده ذهبت أدراج الرياح بعد أن تقلد منصباً بالوزارة الاتحادية (الخريطة الصحية).
فيما أكد القيادي بالمنطقة “خالد الأمين” أن المعتمد السابق زار القرية ووعدهم بالتبرع فقط بمبلغ (3) آلاف جنيه. وأضاف إلا أنه اشترط للتبرع أن يتم نزع أرض النادي يعني التبرع مقابل نزع أرض.
وقال المشاريع التي نفذها أبناء الولاية المغتربون تجاوزت (4) مليارات جنيه، بينما إسهام الحكومة صفر تجاه القرية. وأضاف فقط نطالب الحكومة بتوفير معدات وأجهزة للمركز الصحي ورصف الطريق وتعيين كوادر طبية بالمركز، حتى لا نضطر إلى قطع مسافات طويلة راجلين في حال تساقط الأمطار وإغلاق الطريق أمام السيارات.
وتحدث “خالد” بألم عن الغياب التام للحكومة وأن القرية تقوم بالجهد الشعبي، وقال إنه حلم كبير في نظرنا أن تنتبه الحكومة يوماً لتبني لنا مدرسة أو حتى مسجد أو مركز صحي، رغم أن هذه الأشياء من اختصاصاتها.
أسباب توقف الطريق؟
المواطن “أحمد عبد الباقي” أثار نقطة هامة بأن الطريق كان قد بدأ التنفيذ فيه فعلياً من قبل جهود أبناء قرية (أم جريف) بالجزيرة المجاورة لقريتنا إلا أن المشروع توقف، نسبة لأن والي الجزيرة “أيلا” سحب المعدات المستخدمة في المشروع. وقال نواجه انقطاعاً تاماً عن القرى المجاورة في فترة الخريف. وزاد هنالك تدني في الخدمات وأكد أنه كان هنالك مصلحة للخدمات تستقطع من دخل مشروع الجزيرة تصب لتمويل الخدمات بالقرى، إلا أن الدخل أصبح يمول به النشاطات السياسية للحزب الحاكم بالجزيرة مما جعل موارد المزارعين ضعيفة لا تساهم في تطوير خدمات القرى.
موسم زراعي سيء
وتوقع “خالد الأمين” موسماً صيفياً سيئاً واستند حديثه لعدم القدرة على صيانة القنوات والكباري. وأضاف الدولة رفعت يدها، وقال سابقاً كان في وقت التحضيرات للموسم ترسل إدارة المشروع حفار أبو عشرين لحفر القنوات، على أن يستقطع المبلغ المطلوب من المزارعين نهاية الموسم، إلا أن إدارة المشروع الآن طالبت أن يدفع المزارعون المبالغ أولاً ثم تقوم الإدارة بتجهيز قنوات الري. وتوقع “الأمين” أن يحدث كسر للترع وبالتالي عطش المزروعات.
الأوضاع الصحية في خطر
المساعد الطبي د.”عبد الرءوف محمد حسين” أكد أن المواطنين يعانون كل عام في فترة الخريف عقب إغلاق الطريق بفعل الأمطار، ولا يجدون مكاناً للعلاج نسبة لعدم وجود مركز أو حتى طبيب وبالقرية فقط مساعد طبي. وقال إن (13) ألف نسمة بالقرية يواجهون أوضاعاً إنسانية مأساوية نسبة لانعدام الخدمات. وقال إن المركز مشيد ببناء فخم ولكنه خالٍ من المعدات الطبية أو أي كادر طبي.
وناشد الحكومة بالتدخل لرفد القرية بالأجهزة الطبية والكوادر الطبية حتى يوفروا الخدمة العلاجية للمواطنين، مؤكداً أن المركز القومي يستقبل خدمات (4) قرى مجاورة صحياً.
الأرض الطيبة لا تموت
فيما تحدث المواطن “الطيب محمد” المرشد الزراعي بالقرية بأن قرية معيجنة مصطفى نموذج لمشاكل القرى في الجزيرة والتي رهن انتهاء مشاكلها بتعويض مشروع الجزيرة، وقال إن المشروع تم قتله بسبب نوايا أجنبية. وقال الخارجية الأمريكية بواسطة السفارة جاءت إلى تحالف الأحزاب بقرى الجزيرة لتتحدث حول المشروع فكيف يحدث ذلك لولا علمهم بالعملية.
واستنكر “الطيب” الرسوم المفروضة من قبل والي الولاية “أيلا” (25) جنيهاً على كل فدان. وقال أين تذهب هذه الرسوم في غياب الخدمات. وأضاف يوجد تدني في أسعار الفول والبصل مما ينذر بعزوف المزارعين عن زراعته.
وتحدث عن رفض المزارعين لفكرة إلغاء الاتحادات، مؤكداً أن المساحة الكلية للزراعة في القرية (2) ألف فدان.