الفحم.. قصة الريدة القديمة
مازالت تجارته رائجة و(نارو مولعة في البيوت)
أم درمان – خالد الفاضل
على الرغم من تسيد الغاز وسيطرته على المطبخ السوداني كوقود للطبخ ضمن منظومة الاستهلاك المنزلي، إلا أن محلات بيع الفحم بالعاصمة والولايات مازالت أبوابها مفتوحة وتستقبل زبائنها كالمعتاد، وبانتشار الغاز في المدن والقرى والحواري كان المتوقع أن ينقرض الفحم وتذهب تجارته إلى زوال، ولكن ظل الفحم محافظاً على بقائه مولعاً بجمره في الكوانين.
فروقات الغاز والفحم
وخلال تجولنا بين (زرائب الفحم) بسوق الشهداء التقينا التاجر “جمال دفع الله” صاحب محل بيع فحم، وفي حديثه أكد قائلاً: الغاز لن يقصي الفحم من الساحة وهاهي السنوات تمر والفحم يقف مع الغاز جنبا الى جنب في السوق ولم يختف.. والإقبال على الفحم لم يتقلص، وأشار إلى أنه قبل ظهور الغاز كان يبيع في اليوم ما بين أربعة إلى خمسة جوالات، والآن ما بين ثلاثة إلى أربعة جوالات.. قلنا له كيف والغاز أرخص من الفحم وأسهل في استخدامات الطبخ؟ أجاب بسرعة وهل هناك مقارنة بين طبيخ الغاز وطبيخ الفحم؟ الغاز يجعل الطبيخ مسيخاً وبلا طعم ولا يكون مستوياً مثل استوائه بالفحم.. ويضيف وهل ينفع الغاز لعمل القهوة وقلي البن لا ينفع.. القهوة لا ينفع معها إلا الفحم..
وهنا تدخلت زبونة كانت تتابع الحديث الدائر قائلة: الفحم ما بتبدل بالغاز انأ استعملتهما معاً، ولكن في الطبيخ والقهوة استخدم الفحم فقط، وتضيف في عيد الأضحى استخدم الفحم فقط الغاز لا يصلح للشية.
ويعود “جمال” لمواصلة حديثه بعد الزيادات الأخيرة في الغاز وتقلص فرق السعر بينه والفحم، وإذا كانت اسطوانة الغاز بمائة جنيه تكفي لاستهلاك شهر، فإن فحم بي مائة وخمسين يكفي لشهر.. ويضيف استهلاك الفحم يتناسب مع أصحاب الدخل المحدود،
الفحم بخمسة جنيهات يكفي لعمل حلة طبيخ معتبرة، ولا يوجد بيع بالقطاعي في الغاز.
ضمانات السلامة
أما “عبد الغني السيد” تاجر فحم قال مدافعاً عن الفحم: يكفي أنه آمن ولا يمثل أي خطورة مثل الغاز الذي كثرت انفجاراته في الآونة والأخيرة، يبتسم بهدوء وهو يقول آخرها حادث سوق الشجرة الذي تسبب في خسائر فادحة.. ويقول “عبد الغني” أنا أعرف أسراً لم تدخل الغاز إلى بيوتها أصلاً تخوفاً من خطورته وتعتمد على الفحم فقط.
استخدامات أخرى
ويمضي “عبد الغني” قائلاً: ثم إن وجود الفحم بالبيت مهم ليس للطبخ فقط، ولكن له وظائف أخرى مثل استعماله في البخور ووضعه في الثلاجات للقضاء على الروائح الكريهة، ويضيف بصوت هامس لو مافي فحم ناس الشيشة ديل يمشوا وين؟
ويضيف لدي زبونات من حبوباتنا لا يشربن إلا البن المصنوع على الفحم، ويقلن إن بن الغاز ما بتم الكيف، والبن لو ما أتقلى في نار فحم هادية ما بطلع مظبوط ونار الغاز بتحرق البن .
طلح خرسان كردفان
قلنا لـ”جمال” ما هو أفضل أنواع الفحم؟ فأجاب فحم منطقة “خرسان” في “شمال كردفان”، وهو من أشجار الطلح، وهنالك مناطق أخرى ترفد العاصمة بالفحم مثل (القضارق والدمازين وكادقلي وجبال النوبة والشمالية وطوكر).. وعن المواسم التي يشح فيها الفحم يقول ما بين شهري (أكتوبر) و(نوفمبر)، حيث يكون العمال مشغولين بحصاد السمسم والعيش.
الرثة
سألنا “عبد الغني” عن التراب الأسود الذي يخلفه الفحم، فقال نسميه الرثة أو الدقة، وهي نوعان نوع خشن وتفضلها ربات البيوت في عواسة الكسرة، ونوع ناعم يستخدمه البعض كجير.
عقارب وثعابين
وفي الختام أكد جميع من يعملون في تجارة الفحم أن متاعبها كثيرة وأخطر ما فيها العقارب والثعابين التي تأتي مع الجوالات، وهنا يقول “جمال” أنا القدامك ده تعرضت للدغات العقارب أكثر من عشر مرات، أما غبار الفحم ولونه الأسود يلطخ الملابس والوجه واليدين بصورة مزعجة، ويضيف ضاحكا: إزالته تحتاج يومياً إلى صابونة كاملة.