اللحظات الأولى بعد فراق "سعد الدين إبراهيم".. وماذا قال عنه هؤلاء…؟؟
ورحل صاحب (العزيزة)
دونها بمداد الحزن- محمد إبراهيم الحاج
لم تفتر شفتاي بعد أن تيقنت من خبر رحيل الشاعر والصحافي والأستاذ الإنسان “سعد الدين إبراهيم” صبيحة أمس من ترديد ما خطه الراحل “حميد” عن “مصطفى سيد أحمد”:
الدنيا عامرابك تظل
وإن كان رحيلك فرتقها
وأظن أن الخبر الفاجع قد (فرتق) فينا كثيراً من كريات الصبر وجعلها نهباً للحزن، فالفقيد لم يكن مجرد شاعر مجيد يتحدث بلسان شعبه أو كاتب وصحفي صقلته التجارب والأهوال أو كاتب قصصي يغوص في عمق المجتمع ليعيش كل تفاصيله قبل أن ينقلها واقعاً يمشي على (حبر)، لقد كان الراحل إنساناً قبل كل تلك الصفات.. كانت تتجمع عند شخصيته الطيبة المرحة الأول لكل أجيال الصحفيين الشباب.
أمس داخل صيوان عزاء الراحل، ربما كان كل السودان بسحناته المتباينة والمختلفة، وكل ألوان الطيف السياسي والصحفي والإعلامي والإبداعي يبكي بدموع لم يستطع بعضهم كتم (شحتفتها)، وكانت مدينة الحلفايا تنوء بحزن ثقيل، ربما هو الأشد وقعاً عليها منذ عقود طويلة.. دهشة الرحيل وفاجعة الفراق المر كانت مرتسمة على ملامح ابنيه “محمد” و”إبراهيم” اللذين كانا ملتصقين بأبيهما خاصة “إبراهيم” الذي كان الأقرب لوالده الراحل، وهو لم يكن أباً لهما وحدهما بل أباً لكل الناس وصديقاً مقرباً من كل الناس.. كل الحاضرين في صيوان العزاء كانت لهم مع الراحل “سعد الدين” حكاية قريبة قبل يوم أو يومين رواها بحسرة ووجع.. الزميل “هيثم كابو” قال إن نظارته قد نسيها في مكتبه قبل يومين أثناء زيارته له، وأردف بحشرجة الصوت الضائع: (نضارتو لسه معاي في مكتبي وكنت آمل أن أعيدها له في أقرب وقت).
الزميلة “فاطمة مبارك” غالبت دموعها، أمس، بصالة تحرير (المجهر) وهي تقول: (اتفقت معه على إجراء حوار صحفي كان محدداً له اليوم “الخميس”، لكنه أرجأه إلى يوم “السبت”.. قبل أن تسبقنا الأقدار إليه).
التقيته في زواج الصديق العزيز “طارق شريف” الأسبوع قبل الماضي وجلست إليه فترة طويلة رغم ضيق الزمن والمساحات.. التقطنا الصور التذكارية وتناقشنا كثيراً، وداعبني بصوته الهادئ الوقور وهو يزجرني بحنية أبوية: (يا ود إنت ما عايز تعرس…؟)، فرددت عليه بلطف ومهابة: (إنت شوف لي العروس وأنا طوالي برضى بيها)، ثم رسم على محياه النبيل بسمة تخرج من قلبه وتملأ المكان دفئاً أبوياً خالصاً.. وكان كل الخارجين من الصالة يتوقفون عنده للسلام وإلقاء التحية، فقد كان يتعامل مع الصغير والكبير والشخص المهم في منصبه وغير المهم بذات البسمة والإلفة والتواضع الجم.. كانت ببسمته وضاءة تختزن كل أشكال الإنسانية والتواضع والحب الكبير وكان لسانه طيباً لا يخرج إلا طيباً.
للراحل “سعد الدين” القدرة الكبيرة على إحداث تواصل بين كل الناس ومن مختلف مشاربهم ومنابعهم، لهذا لم يكن غريباً أن يكون ربما هو من القلائل داخل الوسط الصحافي والفني الذي يحظى باحترام وتقدير الجميع، حتى عندما ينتقد مذيعاً أو فناناً تجد بين سطوره نقد المحب وحرص الناصح دونما تشفٍ أو غل.
{ من داخل صيوان العزاء
الصدمة والذهول سيطرت على أغلب المعزين صبيحة الأمس، وتحجرت الدموع في مآقي أغلبهم، وكان بعضهم بين مكذب ومصدق.. وانهمرت الدموع الحرى، فبكى “هيثم كابو” بصوت عالٍ، واحتضن “عبد الوهاب هلاوي” ابنه “إبراهيم” وبكى بحرقة، وكان صوت الزميل “عبد الباقي خالد عبيد” يشق أسماع المعزين بنحيبه العالي، وجلس الجميع في إصغاء ربما يستمعون إلى صوت نحيب قلوبهم في صبيحة الأمس الذي كان قاتم النسمات كأنما تحالف الجو وازداد حزناً ووجعاً على رحيل صاحب (العزيزة).
{ هؤلاء تحدثوا عن الراحل
كان “سعد الدين إبراهيم” أنموذجاً مشرقاً للإعلامي والشاعر الملتزم، ولم يكن غريباً لذلك تسابق الجميع إلى نعيه.. نعاه الشاعر الدكتور “محمود ميسرة السراج” على صفحته بـ(فيسبوك)، كما ترحم عليه الفنان “عاصم البنا” الذي أشار إلى دوره الكبير في إثراء الساحة الفنية والصحفية بالكتابات الملتزمة والناضجة، وأرسل رجل الأعمال د. “صابر شريف الخندقاوي” تعازيه من مقر إقامته بالعاصمة القطرية “الدوحة” إلى كل الشعب السوداني في وفاة الشاعر والأديب والكاتب المسرحي “سعد الدين إبراهيم”، وأشار إلى دوره المهم في إثراء الوجدان السوداني بالكثير من الأغاني المهمة والكتابات الصحفية الرصينة، وقال: (بوفاته تغلق صفحة من الإبداع السوداني)، وأرسلت الفنانة “هند الطاهر” من مقر إقامتها بالعاصمة الفرنسية تعازيها الحارة للشعب السوداني في رحيل من سمته فارس الكلمة، وقالت إنها من الجيل الذي تربى على أغانيه وكلماته.